التصرّف في أراضي الدولة
هاني الفردان ..
أصدر جلالة الملك امراً ملكياً قبل أيام جاء فيه «لا يجوز لأجهزة الدولة والأشخاص الاعتبارية التصرف في الأراضي التي خصصت لها أو تغيير استخدامها من غرض عام لغرض خاص بأية وسيلة كالبيع أو التأجير أو المعاوضة أو غير ذلك من الأغراض الخاصة، إلا بموافقتنا».
وأجاز الأمر الملكي لـ «أجهزة الدولة وسائر الأشخاص الاعتبارية العامة التصرف فيما بينها في الأراضي المخصصة لها أو تغيير استخدامها لغرض عام آخر، وذلك بقرار يصدر من رئيس مجلس الوزراء أو من النائب الأول له، وذلك بناء على موافقة الجهة أو الجهتين العامتين المعنيتين بالأرض، - وذلك بحسب الأحوال – وبعد أخذ رأي هيئة التخطيط والتطوير العمراني».
أملاك الدولة قضية من قضايا البحرين الكبرى، وهي قضايا تحوم حولها الكثير من القصص، وكانت لجنة برلمانية قد تحدثت في ٢٠١٠ عن ضياع 65 كيلومتراً مربعاً من أرض البحرين والتي تحولت من ملكية عامة إلى ملكيات خاصة، هذا في الوقت الذي يعاني فيه البحرينيون من شح الأراضي.
وعلى صعيد أملاك الدولة كشف وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة عن قائمة من العقارات المؤجرة والتي أظهرت وجود نحو 24 مبنى حكومياً إيجارها سنوياً دينار واحد فقط. القائمة أوردها الوزير في إجابته على سؤال النائب عبدالرحمن بوعلي، بشأن العقارات المسجلة باسم مملكة البحرين تحت إشراف وزارة المالية والمؤجرة للغير، وأظهرت أن إجمالي الأراضي والمباني يصل إلى نحو 85 مبنى وأرضاً، تصل مدة عقد إيجار بعضها إلى نحو 90 عاماً.
حسابيّاً، أوضحت الأرقام أن إجمالي قيمة إيجار المباني والأراضي يصل إلى مليون و321 ألف دينار، فقط.
من الوهلة الأولى، فإن الدينار السنوي تستحصله الحكومة عن إيجار عدد من عقاراتها، هو رمزي كون المستأجر جهة حكومية ورسمية، وذلك بحسب ما هو معلن وما هو منشور، وهو المبرر الرسمي.
ومع ذلك فإن تأجير عقارات الدولة على الجهات الرسمية بـهذه الأسعار أمر غير منطقي، ولابد من ترسيخ مبدأ أن تحتسب الأمور بقيمتها الواقعية وأن تتم العملية بأسعارها الحقيقية، حتى وإن كان المستأجر جزءاً من الحكومة، وأن يوثق ذلك وأن يستقطع من موازنات الجهات الحكومية ليدخل من جديد في موازنة الدولة كأي إيجار آخر، وذلك لبناء الأسس الصحيحة لإدارة أملاك الدولة بشفافية واضحة، وحساب إيراداتها الحقيقية وبأسعارها الآنية.
في الجانب الآخر، كشف ملف تحقيقات أملاك الدولة الكثير من الخبايا، من بينها، وثائق متعلقة بقسيمتين مؤجرتين على شركة تملك معظم أسهمها الحكومة، إذ تبلغ مساحة الأولى 49172 متراً مربعاً بإيجار سنوي يبلغ ديناراً واحداً لمدة 14 سنة، وتبدأ مدة إيجار القسيمة الأولى من أغسطس/ آب 2004 إلى العام 2018 مع إمكانية التجديد، ومساحة القسيمة الثانية 409301 متر مربع بدينار واحد سنوياً، لمدة 25 سنة، من تاريخ إبرام الاتفاقية في 8 أغسطس 2001.
شركة أخرى حصلت على عقارين، العقار الأول عقار تمليك سجل باسمها من دون مقابل، ثم العقار الثاني، وهو عقار انتفاعه سُجل باسم مملكة البحرين لصالح الشركة، وهو مؤجر بمبلغ رمزي قدره دينار واحد فقط لمدة عشر سنوات، يبدأ من 1 يناير/ كانون الثاني 2009، أي أنه ينتهي في العام 2019.
هناك عقار عرف بـ «أرض رأس رمان» تبلغ مساحتها أكثر من خمسة آلاف متر مربع، أجّرت في 1929 بإيجار سنوي بقيمة 4 دنانير، ثم عدل في 1990 ليصل إلى 440 ديناراً في السنة، وقررت شركة «إدامة» استرجاع العقار بعد فشل الحل الودي ورفعت القضية للمحكمة.
في العام 2010 تحدث ديوان الرقابة المالية عن إيجارات العقارات الحكومية التي تديرها شركة «إدامة»، ملاحظاً تدني إيجارات أغلب العقارات، حيث تبين من خلال الاطلاع على قيمة إيجارات عينية من عقود الإيجار المبرمة من قبل وزارة المالية ومقارنتها بالقيمة الإيجارية التي قام مدققو الديوان باحتسابها بناءً على القيمة السوقية للعقارات وسياسة تحديد أسعار الإيجار المعتمدة من قبل الشركة أن إجمالي إيرادات تلك العقود لا يمثل سوى 13 في المئة من قيمة الإيجارات المحتسبة بحسب القيمة السوقية، ففي حين يبلغ إجمالي إيرادات الإيجار بحسب العقود المعمول بها في ذلك الوقت 472 ألف دينار سنوياً فإن إجمالي قيمة الإيجارات بحسب القيمة السوقية للعقارات وسياسة الشركة في تحديد قيمة الإيجار يبلغ نحو 3.7 ملايين دينار، لماذا؟!
الأمر الملكي الأخير قد يحافظ على ما بقي من أملاك للدولة، ولكن نحتاج أيضاً أوامر أخرى تعيد النظر في ضياع الكثير من أملاك الدولة وتحويلها من عامة لخاصة دون مقابل أو بمقابل زهيد جداً، وإعادتها ومحاسبة من عمل على إضاعتها وتبديدها، وإعادة تلك الأملاك وأموالها إلى خزائن الدولة كونها حقاً من حقوق الشعب.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/08/31