جوهر الحقوق والحريَّات الأساسيَّة
منصور الجمري ..
إِنَّ جوهر الحقوق والحريَّات الأساسيَّة، الذي ورد ذكره في نص المادة (31) من دستور مملكة البحرين «لا يكون تنظيم الحقوق والحريَّات العامَّة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون، أو بناءً عليه. ولا يجوز أنْ ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحقِّ أو الحريَّة»، يقع في صُلب الحديث عمَّا يجري على أرض الواقع. فكثير من القوانين والإجراءات التي تصدر تحت ضغط الظروف قد تتجاوز بوضوح الحقوق والحريَّات الأساسيَّة. ومثل هذا التجاوز يُبرَّر على أساس الظروف الاستثنائيَّة، أو الإجراءات الوقائية، ولكن في واقع الحال فإنَّ الإشكاليَّة تبقى كما هي؛ لأنَّها تتعلق بموضوع محوري يرتبط بكرامة الإنسان.
بالنسبة إلى الفهم المعاصر لجوهر الحقوق والحريَّات، فإنَّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948 أوضح في ديباجته وفي موادِّه تلك الحقوق الأساسيَّة، وهي حقوق مستمدَّة من القانون الطبيعي. ومفهوم القانون الطبيعي الذي تأصل في منظومة الفكر الإنساني، ورد ذكره في الفكر الإسلامي تحت عنوان «الفطرة». وعليه، فإنَّ المادة الأولى من الإعلان العالمي تقول «يُولدُ جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء».
فالإنسان، بغضِّ النظر عن لونه وفصله وأصله وجنسه، له حقوق «طبيعيّة» تُولدُ مع ولادته، وهي مستوجبة له، وليس من حقِّ أية جهة أنْ تسحبها منه؛ لأنَّها جزءٌ لا يتجزأ من كيانه المعنوي، تماماً كما رأسه أو يده جزء لا يتجزأ من كيانه الجسدي.
ولذلك فإنَّ المساس بجوهر الحقوق والحريات - تحت أيَّة حجَّة كانت - ليس مقبولاً. والمادة الثالثة من الإعلان العالمي تنصُّ على أنَّه «لكلِّ فرد الحق في الحياة والحريَّة وسلامة شخصه»، كما تُفصِّل الموادُّ مُجملَ الحقوق والحريَّات المرتبطة بكرامة الإنسان، من بينها حُريَّة التنقُّل داخل وخارج حدود بلاده، وحُريَّة التعبير والتفكير، وتكوين الجماعات السلميَّة... إلخ.
ولذلك، فإنَّ القانون الدولي (ودساتير البلدان العصريَّة) يقوم على أساس احترام الحقوق الطبيعيَّة التي تُولدُ مع الإنسان، وأنَّه لا يجوز المساس بجوهر الحق والحريَّة من خلال تشريعات أو قرارات أو إجراءات... بل إنَّ دور الحكومات، أساساً، هو حماية جوهر هذه الحقوق الطبيعيَّة (الأساسيَّة)، وعدم المساس بها، أو تعطيلها.
لقد كان من أهمِّ إنجازات التصويت على ميثاق العمل الوطني في (فبراير/ شباط 2001) هو إلغاء قانون أمن الدولة والمحاكم التابعة له؛ لأنَّ ذلك القانون كان يتعدَّى على الحقوق الطبيعيَّة للمواطنين تحت ذريعة الحفاظ على الأمن، وكان الناس يختفون في السجون أو المنافي أو يُمنعونَ من السفر ومن حقوقهم المدنيَّة الأخرى. ولذلك فإنَّ المطالبة بعدم العودة إلى ما قبل 2001 تُعتبرُ مطلباً وطنيّاً بامتياز، وذلك من أجل الحفاظ على مكتسبات رفعت شأن البحرين عالياً.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/09/06