من سبتمبر بن لادن إلى يونيو البغدادي
صالح السعيدي ..
ثلاثة عشر عاماً فصلت بين ضربة أسامة بن لادن في سبتمبر 2011، وإعلان أبوبكر البغدادي لخلافته في يونيو 2014، وما بين الحدثين ثمة تحولات عميقة، وتغيرات مسّت عمق المحددات العقائدية في الجماعات الجهادية ونقشت تداعياتها على مسار العلاقات الدولية، التي جرفت في طريقها الكثير جداً من الضحايا من قتلى وجرحى ومهجرين ولاجئين، وامتد لهيبها إلى العديد من البلدان في آسيا وأفريقيا وأوروبا.
وما بين خطوة بن لادن ومبادرة البغدادي خيط متصل؛ قوامه الدم، وشريانه الكراهية، فعندما أقدم بن لادن على فعلته في 11 سبتمبر 2001 كان رهانه على أن تفجيراً للصراع بين الغرب والإسلام بشكل عنيف سوف يعطي التنظيم مشروعاً جديداً، ويمنحه جاذبية لاستقبال المناصرين والإتباع.
وبالفعل، فقد أسفرت هجمات سبتمبر عن حملة كبرى تحت شعار «الحرب على الإرهاب»، الذي أصبح إلهاماً سياسياً لإدارة المحافظين الجدد في واشنطن 2000 – 2008، عملت بقوة من أجل بلورة مفهوم «الحروب الاستباقية» التي بدأت في أفغانستان، ثم اندفعت بقوة تجاه الشرق الأوسط.
وفي كل مرحلة من تاريخها كانت جماعات الأصولية المقاتلة تنال دوماً دفعة إلهامية أو فكرية أو تنظيمية، سواء من شخصيات فكرية أو ميدانية. ومثلما كان عبدالله عزام الشخصية المنظرة والملهمة لمرحلة الجهاد الأفغاني، ومؤسس البنية الأساسية لما يعرف بـ«العرب الأفغان»، ظهر أبو مصعب الزرقاوي في المرحلة العراقية كشخصية ملهمة، فقد كان تنظيمه (قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين) البذرة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق، الذي أعلن في 2006، وتحول الى الدولة الإسلامية في العراق والشام 2014.
وفي إحدى الرسائل المؤرخة في 15 فبراير 2004، وحملت عنوان «رسالة من أبي مصعب الزرقاوي إلى الشيخ أسامة بن لادن حفظه الله»، تظهر ملامح التأطير العقائدي لتنظيم داعش، وتتضح الإستراتيجية الأولى، التي بنى عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تنظيمه وعملياته القتالية وتأصيلها الشرعي، وشرعنة أهداف العمليات القتالية والاغتيالات.
وفي مقابل مبايعة الزرقاوي لابن لادن، أوضح الرؤية الجهادية والأهداف الإستراتيجية، وبعد ان كان تنظيم القاعدة يركز في بداياته على ضرب الأهداف العسكرية، وتجنب التعرض للمدنيين في الدول الإسلامية (لا سيما في السعودية واليمن)، استطاع الزرقاوي جر بن لادن وتنظيم القاعدة إلى أهم نقطة مفصلية في مسار الجماعات الجهادية، وهي «جواز قتال طوائف أهل الردة». وتعريف طوائف أهل الردة عند الزرقاوي هم المخالفون لهم، بمن فيهم المدنيون من الشيعة، الأكراد والجنود والشرطة واهاليهم والمتعاونون مع الاحتلال. وتحت هذا «الغطاء الشرعي» المزعوم قام الزرقاوي بمهاجمة مواكب العزاء والحسينيات والأسواق والتجمعات المدنية، وعاث في العراق دماراً وخراباً.
إن ما كتبه ونفذه الزرقاوي يجعل منه المؤسس لتنظيم داعش، الذي نُفذ بالفعل، وما زال ينفذ في العراق وسوريا بواسطة رجال البغدادي، امتد إلى الكويت والسعودية بتفجير المساجد للشيعة في الصوابر والدمام ونجران.. إلخ.
ولعل أخطر ما في هذا المبدأ قابليته للتوسع؛ لحكم الظروف والمستجدات، وضم عناصر جديدة لفئات «طوائف أهل الردة»، قد لا تستثني أحدا في النهاية سوى البغدادي وإتباعه ومناصريه.
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2016/09/06