ليس وهماً ولا أماني ولا حلماً
عبدالمحسن هلال ..
اختفى مصطلح «العالم العربي» في ردهات السياسة والإعلام الأجنبي، وتلاشى مفهوم العمق العربي والأمن العربي في متاهات السياسة والإعلام العربي، سبقتها مفردات مشابهة كالتضامن والوفاق العربي والوحدة العربية ذابت في الوجدان العربي، المؤلم أن اختفت معها كلمات تمثل قيما دينية ومبادئ عربية أصيلة، كالنخوة والشهامة ومؤخرا الحقت بها الكرامة. ولو بحثت عن جذر هذه التحولات التي مست وحدة الأمة، لما وجدت أفضل من مفردة الدولة الوطنية، أداة مزقت شرايين الأمة فكانت أشد وطأة عليها من سايكس بيكو الأولى وأخواتها التاليات بمسميات مختلفة.
بذرة الدولة الوطنية لم يفرضها استعمار سياسي أو اقتصادي، عرضها علينا وحسب، على طريقة فرق تسد، فرأها البعض طوق نجاة في بحر العواصف حولهم، وما دروا أنها حصان طروادة للتحكم فيهم عن بعد. وكما اعتبر مناصرو الدولة الوطنية الوحدة العربية حلما ورديا ومراهقة سياسية، صار أملهم اليوم بنجاة دولهم الوطنية، في بحر العواصف الأشد، مجرد أمل «ثور أبيض»، كما في الأمثولة، النجاة من الذبح. من توابع زلزال الدولة الوطنية ظهور العنصرية والطائفية والحزبية، ومؤخرا المتصهينين العرب، وبقية أسلحة الدمار الشامل التي سلطت علينا، وليس وحده النظام العربي المسؤول، أيضا الشعوب لها دور في تقبل هذه التوابع وقبلها تقبل الزلزال ذاته.
لا وقت للبكاء على لبن مسكوب، بيد أن معرفة الداء نصف العلاج، والعلاج ليس مستحيلا ولكنه لا يتأتى بالأماني وأحلام اليقظة، على العصي إذا أبين التكسر آحادا أن يتجمعن عصبة واحدة، وعلى السفن المتباعدة في البحر المتلاطم أن تلتحم جسدا واحدا، لا نجاة إلا للجميع وبالجميع، بكل اختلافاتهم وتباين أفكارهم ورؤاهم ومعتقداتهم. إذا كان للجامعة العربية أن تقوم من عثرتها، وإذا كان للرابطة الإسلامية من دور، فلتدعوا لقمم يتصارح فيها الجميع، ولا أقول يتصالح، يكفي إذا اتفقوا أن مركبا واحدا يقلهم، وعلى الشعوب أن تعي أن التشرذم والتمترس خلف طائفة أو مذهب أو حزب مسمار يدق في جسم ذلك المركب الوحيد الذي يقلنا، والذي فيه بعد الله رجاء نجاتنا.
هذا ليس حديث ينبغيات، المثال أمامي يضربه مئات الآلاف من الحجاج الآتين من كل فج عميق اليوم لبيت واحد بلبس واحد ملتفين حول كعبتهم المشرفة، ليس مستحيلا التوافق بينهم والخير باق فيهم لقيام الساعة، يحتاجون فقط وضوح الفكرة ووحدة الكلمة وتحديد المصلحة، وصياغة الجميع في رؤية سياسية يتبناها القادة وتدعمها الشعوب، قليل من الفهم والتفاهم بين الطرفين كفيل بذلك، قليل من الإصلاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي كفيل بذلك، قليل من الوعي بما يدار ويحاك كفيل بتحقيق ذلك.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/09/07