إسرائيل: آخر التابوهات الغربية
لمياء باعشن ..
يفاخر الغرب، (أمريكا على نطاق واسع، وأوروبا تسير في الركاب)، بأنَّه قد تحرَّر من كثير من تابوهاته، وأنَّه في عزِّ الديموقراطيَّة يتمتَّع، وتتمتَّع شعوبه بالشفافية، وحريَّة التعبير. وهذا صحيح، فالشعوب الغربيَّة تعيش حرَّة في اختياراتها، وتُعبِّر عن آرائها كيفما تشاء، وبلا أيّ رادع. من حقِّ الشعوب الغربيَّة أن تعقد المؤتمرات، وأن تُنظِّم مسيرات ومظاهرات، تعترض على قوانين البلاد، وعلى توجّهاتها السياسيَّة، لكن يبقى في الظل الآمن من النقد موضوع واحد، وقضية واحدة، وسياسة وحيدة لا يمكن لمواطن واحد أن يفتحَ فمه بكلمة عنها، إلاَّ لو كال لها المديح، ومال نحوها ميلاً شديدًا، تلك هي إسرائيل.
في الأسبوع الماضي وقَّعت أمريكا مع إسرائيل اتفاقيَّة تسليح بمبلغ 38 مليار دولار، على مدى 10 سنوات 2019 حتَّى 2028؛ للحصول على أفضل الأسلحة التكنولوجيَّة، ومواجهة أيّ تهديد. ورغم تكاليف هذا الاتفاق الباهظة، فإن إسرائيل لم تتوانَ عن طلب مساعدات لمشروعات بنائيَّة، ووعد برفع المنحة الأمريكيَّة السنويَّة. تلتزم أمريكا بالمصالح الإسرائيليَّة قولاً وعملاً، ومنذ 2009 قدَّمت لها ما يقارب 24 مليارًا كمساعدات عسكريَّة. في احتفاليَّة واشنطن بالاتفاق قالت سوزان رايس، مستشارة الأمن الوطني الأمريكي: «نحن نؤكِّد اليوم قوة هذا الرابط بين أمريكا وإسرائيل، ونشعر بالفخر والاعتزاز أن لم تسبقنا إدارة أمريكيَّة في تقديم دعم يقارب دعم إدارتنا لأمن إسرائيل».
يوقِّع أوباما نفسه هذا الاتفاق مع نتن ياهو، الذي لم يُقدِّم له سوى الإساءات، والذي دخل الكونجرس الأمريكي، وألقى خطابه فيه دون إخطار الرئيس. استفرد نتن ياهو بشيوخ الكونجرس، ورحَّبوا هم به خير ترحيب، ثمَّ استمعوا لكلمته معجبين، وقاطعوه بالتصفيق 23 مرَّة. عند توقيع الاتفاق قال نتن ياهو: «الاختلافات بين أمريكا وإسرائيل تظهر من حين لآخر، لكنَّها كلها خلافات عائليَّة».
تبقى إسرائيل أكبر متلقٍّ للمساعدات الأمريكيَّة في التاريخ، والعذر الذي يسمعه الشعب لا يتغيَّر: الخوف على أمن إسرائيل من الإرهاب الفلسطيني، ومن العداء الإيراني. أمَّا الأمن الفلسطيني فمتروك للقرار الإسرائيلي الجائر. تستدر أمريكا عطف الشعب بتبريرها الخرافي لدعم إسرائيل؛ كونها دولة معزولة، محاطة بجيران يريدون الخلاص منها. بينما يعرف الجميع أنَّ إسرائيل دولة نوويَّة، يأتي ترتيبها السادس في العالم، فتسليحها يتساوى مع بريطانيا، وفرنسا، والهند، والباكستان، وإسرائيل الدولة الوحيدة بين الدول المالكة للسلاح النوويّ التي لا تعترف، ولا تصرّح، بل لا يجرؤ أحد حتَّى من الصحافة الإسرائيليَّة أن يسأل عن وضعها النوويّ.
كل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل لا تُحرِّك ساكنًا في الغرب الذي لو تحدَّث فسنسمع كلامًا يوهم بالمصداقيَّة والحياديَّة، وذلك بعد تغليفه بمقدِّمات تؤكِّد الالتزام بأمن إسرائيل كونها الصديقة والحليفة. يعرف الناس أن صهيونيَّة إسرائيل تتماثل مع النازيَّة، لكن لا صوت يمكن أن يعترض في العالم الحر، ولا كلمة يمكن أن ينطقها متهوّر إلاَّ وتصفعه تهمة معاداة الساميَّة، حتَّى وإن كان ذلك المتهوِّر يهوديًّا. لكن هذه الوصمة لا تكفي للردع، لذلك فالعقاب بالطرد من العمل، وبالسجن، وبالتهديد بالقتل تجعل المعترض عبرة تخيف الناس، فيصمتون.
كتب إدوارد سعيد في مقال له عام 2000 تحت عنوان: «آخر تابو في أمريكا: «هنالك تابو يمنع ظهور الحقيقة عن الوضع في فلسطين، وعن القوَّة الهدَّامة التي تقف خلف إسرائيل. فقط عندما تظهر هذه الحقيقة، يمكننا أن نكون أحرارًا». في أمريكا يمكن الحديث عن الإجهاض، والمثليَّة، والإلحاد، ويمكن أن تعترف الحكومة بجريمة إبادة الهنود الحمر، وأن تعتذر عن هجوم هيروشيما بحريَّة تامَّة، لكن انتقاد إسرائيل يظل تابو محرَّمًا، تحميه ذئاب الآيباك بشراسة.
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2016/09/22