من الذي قتل ناهض حتر؟
قاسم حسين ..
قد يكشف النقاب قريباً عن الشخص الذي اغتال الكاتب الأردني ناهض حتر أمام قصر العدل في الأردن، وقد يذهب سره معه فتسجل الجريمة ضد مجهول.
الجريمة وقعت في وضح النهار، وفي مكان عام، بالعاصمة عمّان، وألقي القبض على شخص مسلح، لم يكشف النقاب عن هويته في اليوم الأول، ولا عن انتمائه السياسي أو الديني أو القبلي، ربما لضرورات أمنية أو سياسية، لكن العلائم الأولية ترجّح أن تكون إحدى الحركات المتطرفة هي المتورطة في الاغتيال. وهو ما يشير إلى ما بلغته الأوضاع العربية من خطورة على حياة المعارضين أو المستقلين، الذين يعيشون في ظل تهديدات دائمة بالتصفية أو السجن والمطاردات.
الخبر الأولي الذي بُثّ بسرعة، تمت صياغته بعناية، حيث أريد الإيحاء بأن سبب الاغتيال هو «الإساءة للإسلام»، وهو موضوع فضفاض، بقصد استعداء الرأي العام ضد الضحية من اللحظة الأولى، لكن المحللين يدركون أن السبب هو مواقفه السياسية، سواءً في انتقاده الفساد في الداخل، أو موقفه المناهض للحروب الجارية لتدمير المنطقة، والتي تدفع ثمنها الشعوب من قُوْتِها ومستقبلها، وحريتها وكرامتها.
العرب اليوم، شعوباً وحكومات، منقسمون على أنفسهم، لا يدركون مصلحتهم ولا يفكرن في مستقبلهم، بل كل همّهم القضاء على الآخر وتصفيته، ولا يتورعون عن المطالبة بالحقوق للدول والشعوب الأخرى بما يمنعونه ويحرّمونه على أنفسهم. وفي ظل هذه التدخلات العنيفة، لن يكون هناك بلدٌ في منجى من التداعيات والارتدادات على الداخل، فاللعب بأمن الآخرين والتلاعب بمصائرهم، سيقوّض الأمن الداخلي تباعاً، حشداً للمتطرفين وتقوية لشوكتهم، وتفجيراتٍ واغتيالات.
من الذي اغتال ناهض حتر؟
في بلدٍ ترعرعت تياراتٌ متطرفةٌ منذ سنوات طويلة، وأرسلت عناصرها باسم الجهاد، للقتال ضد الروس في أفغانستان على بعد آلاف الكيلومترات، بينما لم يفكّروا في عبور النهر غرباً لتحرير الأراضي المقدسة حيث يغتصبها المحتل على بعد بضعة أمتار. بلدٌ شكّلت بعض مدنه حواضن اجتماعية لهذه التيارات الجامحة، وخرج من أحد سجونه شخص متطرف مثل الزرقاوي، ليزهق أرواح آلاف من العراقيين الأبرياء في الشوارع والمساجد. كان مشروعه الوحيد تأجيج الفتنة بين السنة والشيعة، لتنشب حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وحين تمت تصفيته في صحراء الأنبار أقيمت له سرادق العزاء.
البيئة الفكرية المتخلفة التي أخرجت مثل هذا الشخص، هي التي تمجّد حتى الآن طاغيةً دمّر العراق وإيران واحتل الكويت في نصف نهار، وضرب السعودية بصواريخ سكود. وهي بيئةٌ تهرع إلى نيران الفتنة وتهشّ لسفك الدماء، كما يحدث في سورية هذه الأيام. فلا تستغربوا أن يخرج من هذه البيئة الحاضنة شخصٌ مجهولٌ يفرغ رصاصاته في صدر من كان ينتقد كلّ هذا العبث بالأرواح والتدمير الممنهج للبلدان.
النهاية كانت على عتبات قصر العدل، أما البداية فكانت قبل ذلك بسنوات طوال، فما زرعته ورعيته في الأعوام والعقود الماضية، ستجنيه لاحقاً. فحين تعمل على تمكين أطرافٍ سياسية أو دينية لتضرب أطرافاً أخرى، فاستعد ليومٍ تنقلب فيه عليك تلك الأطراف حين تتمكن وتشبّ عن الطوق، كما في المثل الشعري القديم: فلما اشتد ساعده رماني.
اغتيال ناهض حتر انتهى على أبواب قصر العدل، لكن التخطيط له بدأ في ستوديوهات قنوات الفتنة، التي دأبت على التحريض والتكفير والإقصاء واستباحة حرمات وكرامات ومعتقدات الآخرين. بدأ الاغتيال على يد شيوخ الفتنة الذي يكفّرون عامة المسلمين إلا من حذا حذوهم وسلك مسلكهم وسار على نهجهم.
بدأ الاغتيال على وسائل التواصل الاجتماعي، المخترقة والمسيّرة من قبل الأجهزة المحلية والأجنبية، التي تجنّد الشباب وتنشر ثقافة السبّ والشتم والتكفير والبذاءة والاستهانة بحرمات وكرامات البشر، لخلق بلدانٍ لا يمكن التعايش فيها، ورأي عام منقسم على نفسه، وشعوب لا يطربها غير مناظر الأشلاء وشلالات الدماء.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/09/26