آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

قانون الجاستا... المقصلة الأميركية الجديدة


قاسم حسين ..

في ندوته التي استعرضنا أبرز محاورها في المقال الأخير (يوم الأحد)، استهل الوزير الدكتور علي فخرو حديثه بالتذكير بأربع مناسبات تاريخية صادفت ذلك اليوم (28 سبتمبر)؛ وفي منتصف حديثه، الساعة التاسعة والنصف مساءً، وصل خبرٌ عاجلٌ ليضيف إلى القائمة مناسبةً خطيرةً أخرى: صدور قانون «الجاستا».

ففي مثل ذلك اليوم من العام 1961، تم تدمير أول محاولة جادة للوحدة العربية بين مصر وسورية؛ وفي 1970 وفاة صاحب المحاولة جمال عبدالناصر؛أما في 1982، فاستطاعت المقاومة الوطنية في لبنان التصدّي للعدو الصهيوني ودحر الاحتلال. وأخيراً،في 2000، شهد انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي كانت ستغيّر الأوضاع لولا تلاعب المتلاعبين بها، كما قال.

الآن، سيكون ٢٨ سبتمر/ أيلول ٢٠١٦، يوماً خطيراً في تاريخ الأمة العربية، حيث صوّت الكونغرس الأميركي على قرار يبيح للولايات المتحدة الأميركية مقاضاة الدول التي تتهمها بدعم الإرهاب، وقد وضعت عينها على السعودية تحديداً. والولايات المتحدة تتصرّف منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وكأنها حاكمة العالم، وتعتبر نفسها الامبراطورية التي ورثت كل الامبراطوريات.

حين دخلت دول وشعوب العالم القرن الجديد، دخلته بأمل أن تحقق مشاريعها في التنمية، أما أميركا فدخلته بمشروع امبراطوري جديد، للسيطرة على العالم أجمع، بعدما ظنّت أنها أخضعت كل القوى المنافسة الأخرى. فقد تصرفت على أساس اختفاء الاتحاد السوفياتي من الوجود، وعلى أساس تجاوز الاتحاد الأوروبي، بعدما اعتبرت أوروبا «القارة العجوز». وتجلت تلك الاندفاعة الهوجاء في غزو أفغانستان والعراق، ضاربةً بالأمم المتحدة ومجلس الأمن عرض الحائط.

الولايات المتحدة تصرّفت طوال العقود الماضية، خصوصاً مع مطلع الألفية الجديدة، باعتبارها دولةً فوق القانون الدولي، فما ترغب به تمرّره في الأمم المتحدة كقرارات دولية، وباسم «المجتمع الدولي»، حتى لو عارضه تسعون في المئة من الدول الأعضاء. ولم يختلف الأمر في فترة باراك أوباما عمّا كان يحدث في فترة بوش، إلا في بعض الشكليات.

الامبراطورية الأميركية، في أوج صعودها، تصرّفت كما كانت تتصرف بريطانيا وفرنسا في أوج صعودهما الاستعماري في القرنين التاسع عشر والعشرين، وكما تصرفت قبلهما أسبانيا والبرتغال وهولندا في القرنين السادس والسابع عشر. كل هذه الامبراطوريات اعتمدت على استغلال الدول الأخرى الأضعف في العالم واستنزاف خيراتها، وبنَتْ رخاءها على حساب الشعوب المستضعفة الأخرى. بالأمس كان يحكم العالم قانونُ البحار الذي وضعه الأوروبيون أنفسهم، وكان ينظّم عمليات السطو والنهب والاستيلاء على ثروات الشعوب، أما اليوم فالعالم تحكمه قوانين «دولية» وضعها الكبار أنفسهم للسيطرة على الصغار.

ما جرى من إقرار قانون «الجاستا» يثير الكثير من الأسئلة، فكيف يمكن محاسبة دولةٍ ما دون أدلة واضحة؟ ومتى ثبتت التهمة للمضي في إجراءات الملاحقات القانونية؟ وكيف توضع اليد مباشرةً على مدخرات دولة ما قبل أن يحكم القضاء في الواقعة؟ وهل يمكن ضمان حيادية القضاء في دعوى بين دولتين، إحداهما تكون الخصم والحكَم والمدّعي العام؟

هذه الامبراطورية الكاسحة، استخدمت كثيراً الاقتصاد مع الأصدقاء والأعداء، عصا وجزرة، وتوسعت في فرض العقوبات، حتى شملت عشرات البلدان، من كوبا وفنزويلا غرباً، إلى كوريا الشمالية وإيران شرقاً، انتهاءً بالصين وروسيا. كل هذه الدول تصنّف في خانة الأعداء أو المنافسين، أما في هذه المرحلة الجديدة، فانقلبت لاستخدام الورقة ذاتها حتى ضد الأصدقاء، لتثبت للمرة المليون، أنها لا تؤمن بالصداقات أو التحالفات، ولا تكترث بالقوانين الدولية متى ما اصطدمت بطموحاتها، ومتى ما احتاجت إلى سنّ قانون يبيح لها وضع يدها على أموال الغير، فلديها مجلسان منتخبان، الشيوخ والنواب!

إن يوم 28 سبتمبر 2016، سيدخل التاريخ، باعتباره اليوم الذي شرّع فيه الأميركيون لأنفسهم وضع اليد على مدخرات أغنى دولة عربية نفطية، ويهدّدون بالجاستا بقية دول الخليج، حيث تتفتح شهية السطو على ودائع وأموال بقية الدول والشعوب الأخرى!

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/10/04

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد