ماذا لو فرضت الجزائر القوانين السعودية و التركية؟
إسماعيل القاسمي الحسني ..
كثيرا ما تناول المفكرون الجزائريون بالنقد الحاد، تيارا موجودا بينهم يشار إليه بوصف “الفرنكفوني”، و من خصائص عقل المنتسبين إليه، التبعية العمياء و المطلقة لكل ما هو فرنسي، في حالة استلاب لا تخطئها عين حصيف، لا تقتصر على المظهر و اللسان فحسب، و إنما تترجم ثقافة شكلية لسلوك يطال كل مناحي حياة المُستَلَب. و من غرائب هذا العقل المتجمد، و الذي أشار لحالته مؤسس علم الاجتماع بن خلدون، حين عرّف ظاهرة تبعية المغلوب للغالب، أنه يتبنى المواقف السياسية و الرؤية الإستراتيجية الفرنسية حيال القضايا الإقليمية و الدولية، بل حتى حيال قضايا وطنه الأم، غافلا بشكل كلي على أنها مؤسسة في منطلقها و منتهاها، على مصلحة الشعب الفرنسي حصرا، حتى ليكاد يختلط على الملاحظ الأمر، بين جنسية هذا العقل، و بين وطنه الأصلي.
اللافت هنا، أن من بين منتقدي هذا التيار المستلب (الفرنكفوني)، من هم على حالته و صورة مطابقة لشاكلته، تياران اثنان في الجزائر، و لهما وزنهما في الشارع و في صناعة الرأي العام، سواء عبر الإعلام الثقيل أو البديل، أحدهما في حالة تواجد بالمعنى الصوفي للكلمة مع تركيا، و الآخر في حالة تخلّي بمعنى المعروف لدى شيوخ العقل من الإخوة الدروز مع السعودية؛ كل منهما في حالة استلاب كلّي دون أدنى مبالغة، حتى أن المتأمل لا يقف على أثر واحد لخصائص الشخصية الجزائرية، و أعني بذلك الثقافية و التاريخية بل و كذلك على مستوى العقيدة و الأعراف؛ و حالتي التواجد و التخلّي لا تنتهيان عند حدود الحياة الشخصية لصاحبيهما، و إنما تشمل كذلك تبنيا أعمى و انقيادا عجيبا لمواقف تركيا و السعودية، السياسية منها خاصة حيال القضايا الإقليمية، دون إعارة أي اهتمام لمصلحة الجزائر كوطن فضلا عن مصلحتها كدولة.
إذا كان التيار الفرنكفوني قد أسال نقدُه و انتقاده حبرا غزيرا، فيلاحظ أن هاذين التيارين لا يؤتى على ذكرهما إلا خلسة و استراقا، في حين أنهما لا يقلان خطرا عن الأول. و هنا لن أذهب في تحليل حالة الاستلاب، فقد تناولها علماء النفس الاجتماعي و السلوكي بتفصيل علمي دقيق، و لعل الخلاصة التي يخرج بها المهتم، هي تلكم القاعدة الشهيرة “الطبيعة تأبى الفراغ”؛ في مثل هذه الحالة التي نتحدث عنها، يمكن الجزم بالقول: متى تشبّع الفرد بمكونات الشخصية الوطنية و امتلأ كيانه بها، انعدم الفراغ و استحال الاستلاب.
و حتى لا أطيل على القارئ و أثقل عليه، سأتوقف معه على جزئية تظهر جليا حالة التناقض التي يعيشها هذا التيار المستلب.
ففي حين أن التيار الفرنكفوني مثلا يعمل على استيراد القوانين الفرنسية إلى الجزائر و يمجدها و يروج لها، فإن التيارين المستلبين الآخرين، لا يأتيان أبدا على ذكر القوانين المعتمدة لدى غالِبَيْهما، بل يفرّ المستلب منهما من أي مواجهة فكرية تتناول هذه النقطة تحديدا.
ترى القيادتان في السعودية و تركيا، أن من حقهما ليس فقط مراقبة صفحات المعارضين لهما على شبكات التواصل الاجتماعي، أكانت الفيس بوك أو التويتر، بل أكثر من ذلك ترى كل منهما أن من حقها حجب الصفحات، و تذهب أبعد من ذلك بسن قوانين تجرّم أي تغريدة أو منشور، يعكس معارضة “سياسية” لها، توجب عقوبة نافذة بالسجن خمس سنوات مثلا في السعودية، عقوبة دنيا قد تصل لعشرين عام نافذة مقابل تغريدة في التويتر، فضلا عن العقوبة المالية.
و هنا نسأل المستلب من التيارين الاثنين و خاصة القياديين منهما: و أنتم تعتمدون أكثر ما تعتمدون لترويج معارضتكم السياسية لتوجهات و مواقف الجزائر، على شبكات التواصل الاجتماعي، و لكم فيها آلاف الصفحات و المواقع، و تنتقدون بشكل يتميّز بالعنف اللفظي إلى حد العمل على تآكل الحس الوطني، و يهدد بالفعل الأمن و السلم الاجتماعيين، ماذا لو فعّلت القيادة الجزائرية حقها هي كذلك، مثل القيادة السعودية و التركية، و ركّزت على متابعة منشوراتكم و تغريداتكم، ثم حولتها للقضاء للحكم على أصحابها بالسجن النافذ و الغرامات المالية، و قامت بحجب كل الصفحات و المواقع، كيف يكون موقفكم عندئذ من هذا الإجراء السعودي في الأصل و التركي؟.
أترك لكم الإجابة إن كانت لديكم بقيةُ مساحة حرية مع الذات.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/10/06