إيران الكاسب الأكبر في حال الانتصار في معركتي حلب والموصل
عبد الباري عطوان ..
بينما تتسم السياسة التركية في التعاطي مع الأزمتين السورية والعراقية بالتخبط، تبدو حظوظ إيران، خصمها الإقليمي، أوفر حظا بالنجاح، فمن المفارقة أن إيران تتواجد في الحلفين “الفائزين” ضمنيا حتى الآن في معركتي حلب والموصل، فحلفاؤها الروس هم الذين يخوضون المعركة الأولى ويلقون بكل ثقلهم الجوي والعسكري فيها، وبما يمهد لقوات الجيش السوري بالتقدم في اتجاه الأحياء الشرقية المحاصرة، أما حلفاؤها العراقيون فقد أعلنوا حرب تحرير الموصل وإخراج قوات “الدولة الإسلامية” منها بغطاء جوي أمريكي، أي أن القوتين العظميين أمريكا وروسيا يقاتلان من أجل نصرة حلفاء إيران، وخدمة مصالحها الإستراتيجية، بينما العرب يبدو خارج الصورة ولا دور لهم يتسم بالفاعلية.
القيادة التركية فتحت “عش دبابير” على نفسها بإلقاء كل ثقلها في الأزمة السورية على أمل الإطاحة بالرئيس بشار الأسد ونظامه، فوجدت نفسها بعد خمس سنوات تغوص أكثر وأكثر فيها، تماما مثلما تورطت حليفتها المملكة العربية السعودية في المستنقع اليمني ولا تعرف كيف تخرج منه.
***
المصالحة التركية الروسية وفرت طوق نجاة لهذه القيادة لتقليص خسائرها في الملفين العراقي والسوري، وإبعاد شبح الإرهاب وعدم الاستقرار عن عمقها الديمغرافي والجغرافي معا، والتقط الرئيس رجب طيب أردوغان هذه الانفراجة وتوجه إلى طهران لتطوير العلاقات الاقتصادية معها، ورفع التبادل التجاري بين البلدين إلى ثلاثين مليار دولار سنويا، وأطلق السيد بن علي يلدريم، رئيس الوزراء التركي، تصريحات تؤكد رغبة بلاده في إعادة العلاقات مع كل من القاهرة ودمشق إلى جانب تل أبيب طبعا، ولكن من يتابع تأزم العلاقات التركية هذه الأيام مع الدول العربية الثلاث، أي العراق وسورية ومصر، يصعب عليه أن يفهم كيف تدار السياسة الخارجية والإقليمية التركية هذه الأيام لما تحتويه من تناقضات وتراجعات.
التلاسن الذي وقع بين الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حول تواجد قوات تركية في معسكر بعشيقة قرب الموصل، وخرج عن كل آداب الحوار والدبلوماسية، يعكس أزمة ما زالت مستمرة، فالأتراك لا يريدون استمرار وجود قواتهم قرب الموصل فقط، وإنما المشاركة في حرب استعادتها من “الدولة الإسلامية”، وهي مطالب ما زالت تقابل بالرفض من قبل الحكومة العراقية، وتضع بذلك الولايات المتحدة حليفة البلدين في حرج شديد، وهذا ما يفسر الزيارة المفاجئة لوزير الدفاع الأمريكي اشتون كارتر إلى كل من أنقرة وبغداد بحثا عن حل، ينهي أو يقلص، حدة التوتر بين البلدين، ويحول دون حدوث صدام عسكري في هذا الوقت شديد الحساسية.
الخلاف التركي العراقي يبدو “متواضعا” بالمقارنة إلى خلاف أكثر خطورة يتصاعد بحدة بين الجارين التركي والسوري، اثر توغل القوات التركية في عدد من بلدات ريف حلب الشمالي تحت ستار دعم فصائل سورية تقاتل قوات سورية الديمقراطية الكردية، العدو اللدود لتركيا التي تضعها على قائمة الإرهاب، وتعتبرها ذراعا عسكريا لحزب العمال الكردستاني.
القيادة العامة للجيش السوري والقوات المسلحة السورية أصدرت بيانا شديد اللهجة أكدت فيه “أن تواجد وحدات الجيش التركي داخل الحدود السورية تصعيد خطير ومدان يشكل انتهاكا صارخا لسيادة الأراضي السورية وسيتم التعامل معه كقوة احتلال”.
وجاء بيان الجيش هذا بعد أقل من يومين من تهديد القيادة العسكرية السورية بإسقاط أي طائرة تركية تخترق الأجواء السورية، مما يعني أننا في انتظار الشرارة التي يمكن أن تشعل فتيل حرب قد تنجر إليها الدول العظمى الحليفة للطرفين.
تركيا تحارب على عدة جبهات في الوقت نفسه، تقاتل الأكراد في سورية والعراق، وتعلن الحرب على النظامين السوري والعراقي، وتطرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من البلدات والقرى التي كان يسيطر عليها في جرابلس والباب ومنبج، وتريد القضاء عليه في الموصل، وتواجه ذيول انقلاب عسكري كان يريد الإطاحة بالسيد أردوغان وحكومته المنتخبة، وما زالت تحت الرماد.
***
هل من الحكمة خوض كل هذه الحروب، وفتح كل هذه الجبهات، دفعة واحدة، وهل يمكن الانتصار فيها جميعا؟ من الصعب الإجابة بنعم اعتمادا على العقل والمنطق، فتركيا ليست دولة عظمى، ولا نعتقد أن حلف الناتو، التي تعتبر عضوا مؤسسا فيه، يمكن أن يدعمها في كل هذه الحروب، وبالقياس إلى تجربة إسقاطها لطائرة روسية.
تركيا “كانت” دولة مستقرة تقدم نموذجا في الحكم، أثار إعجاب العالم بأسره يزاوج بين الديمقراطية والإسلام على قاعدة نمو اقتصادي غير مسبوق، وسياسة صفر عداوة مع الجيران، فلماذا يواجه هذا النموذج التحلل والاندثار الآن، ويتحول جميع الجيران، باستثناء إسرائيل، إلى أعداء لأصحابه؟.
نوجه السؤال إلى الرئيس أردوغان، ورئيس وزرائه السيد يلدريم، ومستشاريه، خاصة الدكتور إبراهيم كالين، وأن كنا لا نتوقع إجابة مقنعة منهم، لأنهم لا يحتملون رأيا مخالفا لرأيهم.
تركيا تواجه المصير نفسه الذي لعبت دورا كبيرا إلى جانب آخرين في تصديره إلى سورية، والأخطر من ذلك أنها تخلق جبهة موحدة وقوية من الأعداء ضدها، مما يؤكد أنها لم تستفيد مطلقا من دروس الأزمة السورية، والمؤامرة الغربية في المنطقة، وهذا ما يفسر حراجة موقفها الحالي، والأخطار الكبيرة التي تزحف نحوها.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/10/23