إفلاس دول الخليج!
مريم الشروقي ..
لن نكتب عن مقالنا السابق قبل سنة تقريباً، ولكن سنطلب منكم قراءة هذا المقال بتاريخ 22 ديسمبر 2015 (العدد4854)، بعنوان «رفقاً بالدّولة بعد الإقتراض»، حيث تمّت دعوتنا لإحدى المحاضرات المهتمّة بالشأن الاقتصادي، وألقاها أحد حملة درجة الدكتوراه في الاقتصاد، وبالفعل كانت محاضرة براقة وجميلة جداً من حيث المضمون، ولكن بعد المحاضرة وبعد سؤالنا للمحاضر اكتشفنا الخلل!
فبعد المحاضرة سألنا المحاضر إن كانت دول الخليج ستعاني من انهيار عملتها مع ما يحدث نتيجة هبوط النفط والتوتّرات الإقليمية والدولية والمحلّية، فقال بثقة إنّ العملة الخليجية لن تنهار أبداً، ولا نعلم إن كان الخبير يصدّق ما يقوله، أم أنّه قالها في لحظة فخر فقط، لكننا نعلم أن لا شيء يبقى على حاله، وأنّ السياسة الاقتصادية الصحيحة هي ما تجعل العملة لا تنهار، وليس الكلام البرّاق الجميل!
منذ ذلك الوقت الذي قال فيه الخبير الاقتصادي كلمته وحتّى يومنا هذا، نرى دول الخليج وهي تقترض وتتقشّف وتفرض الضرائب لسد العجز في الموازنات العامة، فمن كان يُصدّق بأنّ بعض دول الخليج الكبيرة تطرح سندات دولية لسد العجز في الميزانية؟ أو تدعو الحكومة القطرية 6 مصارف للمشاركة في ترتيب قرض سيادي بقيمة 5.5 مليارات دولار لأجل 5 سنوات، لتصبح من الدول الخليجية الساعية للإقتراض وسط ضغوط مالية على دول المنطقة بسبب ضعف أسعار النفط!
كما أظهرت بيانات رسمية نشرت حديثاً، تجاوز الدَّين العام لمملكة البحرين حاجز الـ6.6 مليار دينار حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي 2015، مشكّلاً بذلك نحو 52% من الناتج المحلي الإجمالي. ونفهم من هذا الدَّين بأنّ نصيب الفرد البحريني ما يقارب 11 ألف دينار من الديون! الآن فقط نقول بأنّ المواطن البحريني سيتحمّل هذا الدَّين الكبير إضافةً إلى ديونه غير المنتهية!
إنّ استمرار هبوط النفط وعدم وجود خطط إستراتيجية بعيدة المدى، وغياب المخلصين من الاقتصاديين عن الاستشارة وتقديم النصيحة الحقّة، ووصول بعض ضعيفي الخبرة لمناصب مؤثرة، مدعاة إلى مزيدٍ من التخبّط في اتّخاذ القرارات غير المدروسة، في حين أنّ الحل يكمن في دراسة الوضع السابق والحالي وبناء دراسة متكاملة للمستقبل، حتّى تنهض دول الخليج مرّة أخرى.
أخبركم الحقيقة دائماً بأنّني لستُ خبيرة اقتصادية ولا أعرف لغة الأرقام أبداً، ولا أفهم كثيراً في الاقتصاد، ولكنّي مواطنة خليجية أشعر وأتلمّس المعاناة التي تعانيها شعوب الخليج حالياً، وأشعر بأنّ الاقتراض ثمّ الاقتراض وثمّ الاقتراض وزيادة الدين العام، ستؤدّي إلى انتكاسة خطيرة لدول الخليج، حيث ستصبح رهناً للذين قدّموا القروض وسهّلوها عليها، سواء المصارف أو المؤسسات العالمية.
إلى متى سيستمر مسلسل زيادة الرسوم والضرائب والاقتراض على دول الخليج؟ وهل سيؤثّر ذلك على عملتها يا تُرى؟ حتّى ولو كانت العملة مرتبطة بالدولار! لأنّ الارتباط بالدولار مع وجود العجوزات في الميزانيات سيكلّفها الكثير والكثير.
في برنامج «الثامنة» بقناة (mbc)، أجرى المذيع المخضرم داوود الشريان حواراً قبل يومين مع وزير المالية ونائب وزير الاقتصاد والتخطيط ووزير ديوان الخدمة المدنية، ووجّه الشريان سؤالاً مباشراً لمحمّد التويجري نائب وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي مفاده: لو لم تتّخذ الحكومة السعودية إجراءات التقشّف وزيادة الرسوم والضرائب بعد انخفاض النفط، هل كانت المملكة ستعلن إفلاسها بعد 5 سنوات؟ فأجاب نائب الوزير: نعم، ستفلس بعد 3 سنوات وليس 5 سنوات!
كيف لا تتأثّر دول الخليج وتنهار عملتها ما دام هناك أمثال ذلك المُحاضر الاقتصادي الذي يعيش في عالم آخر، ويظن بأنّ العملة لأي دولة خليجية لن تتأثّر أو تنهار؟ أمثال هذا المحاضر الاقتصادي هم من يدمّرون الدول، فمجاملاتهم في غير محلّها هي التي تساهم في خلق الأزمات، وعند الأزمات هم أوّل الهاربين!
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/10/24