تحمُّل الأمانة يتطلَّب المراجعة المستمرَّة
منصور الجمري ..
عددٌ من الأسئلة تُطرح دائماً عندما تتحرك الحوارات بشأن العمل السياسي المعارض، ومن تلك الأسئلة «لماذا تجب المراجعة على المعارضة فقط؟... لماذا لا نرى مبادرات من الطرف الآخر، بل تصعيداً؟». وهناك من يطرح أيضاً «إن هذا ليس الوقت المناسب»، في إشارة إلى الظروف التي تمر بها الساحة السياسية. ولكن لو التفتنا قليلاً، وبحسب هذا الطرح، فإنه لا يوجد أي وقت مناسب؛ لأنه لن تكون مرحلة خالية من التعقيدات المتداخلة من كل جانب.
وفي الحقيقة، فإن مثل هذا الطرح ليس جديداً، وأتذكر تكراره دائماً على مرِّ السنين، وهو الأمر ذاته الذي يتكرر في مختلف المجتمعات، ومختلف الأزمان. ولكن السياسة من طبيعتها أن تمر في أوضاع تتلاطم فيها المصالح والمبادئ والأولويات والاهتمامات والأحقاد والضغوط والاضطرابات والانشغال المستمر بمتغيرات الأحداث. وعليه، لا يمكن إعلان الطوارئ دائماً وإيقاف مجرى الحياة الطبيعية.
التعذُّر بسوء الأوضاع وتجميد النقاشات والحوارات ليس متوقفاً على الجهات المعارضة، فهناك الكثير من البلدان التي تعيش في حالة طوارئ دائمة، وبعض الأحيان لا تكون هذه الحالة معلنة، إذ يتعود الناس على الجمود والرتابة، وعلى الصمت وعدم الاكتراث، تحت أعذار شتى. المجتمعات الحيوية تنشط على العكس من كل ذلك، وتراجع مساراتها وقراراتها ومواقفها، ليس من باب تسجيل النقاط على الآخرين، وإنما من أجل أن يستفيد المجتمع من الخبرات التي يمر بها، ويطور أساليبه باستمرار.
الجمعيات المعارضة كانت أمامها فسحة العمل السياسي المفتوح في سنوات الألفية الأولى، ولكنها أيضاً كانت تعيش تحت أنواع أخرى من الضغوط. فمن جانب، كان هناك المؤثرون في الشارع ممن رفع التوقعات أكثر من ما يمكن تحقيقه، وبالتالي تحولت تلك التوقعات المرتفعة إلى عبء كبير فرض حدوداً غير مرنة على طريقة التعاطي مع التحديات. كما طرحت تفسيرات سياسية وإجرائية حول متطلبات الانتقال إلى الديمقراطية، وهي صحيحة في معظمها، ولكنها كانت تميل إلى الجانب النظري ولم تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الوضع وواقع الحال من جوانبه المختلفة.
المراجعة المستمرة مهمة ضرورية لكل ممارس للعمل السياسي والاجتماعي، وليس عيباً أن تراجع جهات سياسية أفكارها وأطروحاتها وتحليلاتها وأساليبها وقراراتها، تحت أي ظرف؛ لأن هذا واجب على كل من يأخذ على عاتقه تحمل الأمانة بصدق وإخلاص لبلده.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/10/26