المفلسون في الأرض
سعود البلوي ..
إن أكبر إفلاس قد يصيب الإنسان هو فقدان الثقة بأقواله أو بأفعاله، وهذا ما حدث -إعلاميا- لاثنين من أهم المسؤولين في المملكة، وهما وزير الخدمة المدنية خالد العرج، ونائب وزير الاقتصاد والتخطيط محمد التويجري، وإن كنت أستثني من قضية «الإفلاس» هذه وزير المالية إبراهيم العساف الذي كان أكثر الثلاثة حكمة ودبلوماسية بتصرفه كرجل دولة، على الرغم من تحفظه الواضح وعدم رده على تصريحاتهما، وكأنهما يتحدثان بالنيابة عن وزارته!
فتبرير وزير الخدمة المدنية للقرارات الأخيرة المتعلقة بإلغاء وتخفيض البدلات والمزايا المالية لموظفي الدولة، كان يستلزم استيضاح وجهة نظر وزير المالية وخاصة أن وزارته لم تشارك في تلك المقترحات التي قدمت للمقام السامي، والتي يبدو أنها لم تكن مدروسة -لا بل مجحفة- بدليل أنها الآن تخضع للمراجعة من قبل لجنة عليا لإعادة إقرار بعض البدلات ومنها «العدوى» و»الإرهاب».
لقد صدم وزير الخدمة المدنية الرأي العام السعودي بمحاولة تبنيه مبدأ (التوفير) على القطاع الحكومي من منطلق (التقتير) على الموظف المنتمي لطبقة ذوي الدخل المحدود، المستحق أصلا لأكثر مما يتقاضاه نظرا لتدني راتبه الأساسي، ولا سيما بوجود حكم مسبق ضده تبناه وزير الخدمة المدنية بناء على نتائج دراسة ميدانية سابقة، تعتبر أن مدة عمل الموظف الحكومي «ساعة» واحدة في اليوم وهو أمر مناف للحقيقة والواقع، فلو تم قبول هذا التعميم لاعتبرت مدة عمل وزير الخدمة المدنية -بعد مجيئه للقطاع الحكومي وزيرا- ساعة واحدة في اليوم! وعلى أية حال نتمنى أن تطلع وزارة الخدمة المدنية الرأي العام على هذه الدراسة لمعرفة مدى مصداقية نتائجها.
وعلى الرغم مما أثاره كلام الوزير العرج من ردة فعل معاكسة، إلا أنه كان محظوظا لأن ما أدلى به زميله في الحلقة -نائب وزير الاقتصاد والتخطيط- كان أكثر كارثية، حين أفاد بأن المملكة كانت معرضة للإفلاس الحتمي بعد ثلاث سنوات ونصف! والإفلاس الذي قصده نائب الوزير هو ما يعرف بـ «الإفلاس السيادي» أو «التعثر الحكومي» الذي يعني عدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها المالية وسداد ديونها.
ويبدو أنه رمى هذه الكلمة دون إدراك تبعاتها المحلية والدولية، ودون أن يوضح كيف للإجراءات التقشفية أن تؤتي نتائجها بهذه السرعة وتحمي البلاد من شبح الإفلاس، حتى قبل بداية برنامج التحول الوطني؟!
واستخدام مصطلح «الإفلاس» هنا مثار استغراب، لأنه صدر عن ثاني أهم شخص في الوزارة -برز في ظل غياب وزيرها عن ضوء الإعلام في وقت يستلزم منه الظهور- حين كان المواطن يعتقد أنها ترسم له خطط التنمية ومقاومة احتمالات الكساد!
وفي التصريح (الاستئنافي) لنائب الوزير محمد التويجري الذي أكد فيه بأن «التعبير خانه»، ظهر أن حقيقة تعرض البلاد للإفلاس لم تكن سوى كلمة قيلت بهدف إقناع الرأي العام بجدوى الإجراءات التقشفية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط العالمية، والتي نتقبلها بصدر رحب ولكن من دون مبالغات، إلا أن الآثار الجانبية لتلك الكلمة أسهمت في خلق حالة من عدم الثقة لدى المواطن السعودي والمستثمر الأجنبي على السواء.
ففي الوقت الذي يحتاج فيه الرأي العام السعودي إلى «الشفافية» وإن تضمنت نصف الحقيقة، استخدم مسؤولان مهمان صيغة التهويل والتضخيم والمبالغة، الأمر الذي انعكس سلبا علينا حين التقطت أهم وسائل الإعلام العالمية هذين التصريحين لتكرس ضدنا الصورة النمطية التالية: «الموظف السعودي كسول.. والسعودية على حافة الإفلاس»، لنجد أننا اليوم أمام تحد زمني كبير في كيفية إصلاح «الدهر» ما أفسده «العطار»!
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/10/27