منهج التربية الاقتصادية.. هل آن الأوان؟
عبدالعزيز فهد الدهاسي ..
يلعب الاقتصاد دورا كبيرا في حياتنا وأصبح كترمومتر لأسلوب عيشنا، ليس على مستوى الفرد أو الجماعة وحسب؛ بل تعداه إلى أكبر من ذلك بكثير، حيث أصبح الاقتصاد معيارا رئيسا لقوة الدول والمجتمعات، فنرى اليوم تفوّق وتصدّر بعض الدول ومدى قوة تأثيرها نتيجة لقوة اقتصادها وليس بجيشها، وما لذلك من دور في صنع القرار الدولي أو التأثير فيه، كذلك رأينا بعض الدول المتوثّبة والناشئة التي اتخذت قوة الاقتصاد وسيلتها الأسرع للحاق بركب الدول المتقدمة.
وفي المقابل نرى ما للأزمات الاقتصادية من تأثير بالغ على المستوى الدولي، فقد أصبح يوازي وربما يفوق تأثير الأزمات العسكرية أو الكوارث الطبيعية.
وتأثير تلك الأزمات على الأفراد والمجتمعات من خلال استقرارها أو العكس، فكم من بيوت تهدمت، وأسر تشتت بسبب أزمة اقتصادية سببها سوء تدبير، ومدى التأثير السلبي لذلك اجتماعيا وأمنيا وتنمويا.
والمتأمل اليوم في أسلوب حياتنا الاقتصادية وتحديدا في طريقة تعامل الأغلبية من مجتمعنا مع المال، يجد خللا كبيرا لا يتواكب مع ما نطمح إليه من مستقبل، ومع ما نتميز به عن غيرنا كمسلمين من وجود منهج رباني يحكم تصرفاتنا المالية وغيرها، وقد ذكر أستاذ الاقتصاد الدكتور (زين العابدين بري) أن مجتمعنا مصاب بداء الاستهلاك الجائر في جميع المجالات، وأن إحدى مشاكله على وجه الخصوص أنه ينفق أكثر مما يحصل عليه!.
وحيث إن (وزارة التعليم) كغيرها من المؤسسات الحكومية التي تعمل على المساهمة بفاعلية في تحقيق رؤية السعودية 2030 التي جعلت محور (الاقتصاد المزدهر) ثاني محاورها التي تقوم عليها، ولما تمثله نسبة الناشئة عموما والدارسين والدارسات خصوصا في مجتمعنا من غالبية في معدل السكان، والتي أكدت الرؤية الوطنية على العمل على استثمارهم وإكسابهم المهارات اللازمة لتحقيق أهدافهم، وباعتبار التربية الاقتصادية جزءا من التربية الإسلامية والوطنية، فلو يتم إيجاد (مقرر دراسي) للتربية الاقتصادية لكل مرحلة يعمل على تعديل السلوك الاقتصادي، ويواكب متغيرات العصر ومتطلبات التنمية، ويلبي حاجة الوطن، ويعمل على إعداد (جيل المستقبل) بتوعيتهم منذ الصغر بأهمية الجانب الاقتصادي في حياتنا، وتأثيره على مستقبلنا ودور ذلك في تحقيق رؤية الوطن، إلى جانب فتح مداركهم حول الواقع الاقتصادي العالمي.
على أن يتم إعداد تلك المقررات لمختلف المراحل الدراسية بما يتلاءم ومستوى الإدراك الذهني لكل مرحلة، متضمنة أنشطة وبرامج تطبيقية تساعد على تحقيق الأهداف التعليمية والتربوية لتلك المقررات بما يحقق تهيئتهم للمساهمة الفاعلة في تحقيق الرؤية المستقبلية للوطن، ويقوم على صياغتها تربويون بالإضافة إلى نخبة من أساتذة الاقتصاد بالجامعات والخبراء الاقتصاديين والشرعيين في هذا المجال. وتشتمل على المفاهيم الرئيسة للتربية الاقتصادية، وتثقيف النشء بالمبادئ الأساسية الأوليّة للاقتصاد في الفقه الإسلامي التي تجب معرفتها بالضرورة على كل مسلم، وذلك للجنسين على حد سواء مع التأكيد على أن تثقيف الفتاة اقتصاديا والعمل على تأهيلها كمديرة اقتصادية للمنزل وتنمية إحساسها بالمسؤولية سيكون له مردود إيجابي كبير ليس على أسرتها وحسب بل على اقتصاد المجتمع عموما، وأثر ذلك عندما يكون العكس.
كما يفضل أن تتضمن تلك المقررات أيضا توعية النشء بالأساليب التجارية غير الأخلاقية كالغش والتزوير والسرقة ومضارّها على المستوى الفردي وعلى المستوى الاقتصادي والأمني للمجتمع والحرص على الكسب الحلال من خلال حث النشء على الإنتاجية والعمل، والتحذير من التكاسل والبطالة والتوعية بانعكاساتها السلبية، ومعرفة أن المال لا يأتي إلا بالكد والمشقة، وليس بالكسل والتواكل.
ولا ننسى تنمية ثقافة الادخار وعمل البرامج المعززة لذلك، فقد ذكرت (سمة) في أحد تقاريرها أن نسبة الادخار والاستثمار لدى الأفراد في مجتمعنا أقل من 10%!، والحث على ضبط النفس وترويضها وغرس ذلك لدى النشء سيما وأنهم يستحوذون نسبة لا يستهان بها من ميزانية الأسرة. وتوعيتهم بأن ترشيد الاستهلاك لا يتعلق فقط بالشراء وإنما في ضبط شتى المصروفات مثل استهلاك الكهرباء والماء والهاتف...الخ.
ومما يعزز ذلك ويساعد على تحقيقه إعداد البرامج العملية التثقيفية مثل:
- إعداد الدورات المناسبة بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.
- استضافة رجال الأعمال وأصحاب التجارب والمشاريع الناجحة لطرح تجاربهم لأبنائنا عن قرب.
- استضافة بعض خبراء الاقتصاد من الجامعات والمؤسسات الاقتصادية داخل المملكة وخارجها لإلقاء المحاضرات.
- تناول بعض الأزمات الاقتصادية والتعليق عليها. وغير ذلك من النقاط التي تعنى بتربية النشء وتثقيفه اقتصاديا، والتي يدركها خبراء الاقتصاد بشكل أكثر دقة وتفصيلا.
ختاما ..
يكفي أن نتصور وضعنا الاجتماعي عندما نقضي على (الأمية الاقتصادية) وعلى الظواهر السلبية ومظاهر الهدر، ونُعدّ جيلا صالحا وواعيا يجيد التعامل مع متطلبات حياته ويعرف كيف يرتّب أولوياته ويحافظ على مكتسبات وطنه بل ويسهم في تنميتها؟، وأثر ذلك في رقي الوطن وتقدمه، آخذين بعين الاعتبار الأعداد الكبيرة للطلاب والطالبات وتزايدها عاما بعد آخر، ولنا أن نتصور إذا برع في هذا المجال (واحد في الألف) على الأقل فكم سيكون لدينا من الخبراء الاقتصاديين المؤهلين بإذن الله لتحقيق الرؤية المستقبلية للوطن.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/10/27