انفجار «شياباريلي» وتفجير الشرق الأوسط
قاسم حسين ..
اختفى مسبار الفضاء الأوروبي «شياباريلي» الأسبوع الماضي، قبل أن تكشف مركبة فضاء أميركية كانت تدور في فلك المريخ صوراً للحظة ارتطامه بسطح ذلك الكوكب الأحمر، بعدما هوى من ارتفاع يتراوح ما بين اثنين وأربعة كيلومترات.
المسبار أطلق في إطار برنامج «أكسومارس» الأوروبي الروسي للبحث عن أية مؤشرات للحياة على سطح المريخ، الذي يبعد عنّا بمسافة 56 مليون كيلومتر؛ وهو أقرب الكواكب للأرض، في مجموعتنا الشمسية الصغيرة التي تقع على طرف مجرة «درب التبانة»، التي تحتوي بدورها على 100 إلى 300 مليار من الشموس، ومع ذلك لا تشكّل غير ذرةٍ صغيرةٍ من مليارات المجرات، التي تسبح في فضاء هذا الكون المترامي الأطراف، والذي تحار فيه الألباب.
انقطع الاتصال بالمسبار قبل 50 ثانية (فقط) من التوقيت المحدّد لهبوطه، فظلّ مصيره مجهولاً حتى نشرت إدارة الطيران والفضاء الأميركية «ناسا» صوره الأخيرة. وأرجع العلماء السبب إلى وصوله إلى السطح بسرعةٍ أكبر مما ينبغي (بضع مئات من الكيلومترات في الساعة)، وكانت تلك ثاني محاولة أوروبية للهبوط على المريخ بعدما فشل المسبار البريطاني «بيجل 2» في العام 2003. وأشار الخبر إلى فشل الجهود الروسية والأميركية السابقة للهبوط على المريخ، لكن المؤكد تماماً أنهم سينجحون في محاولاتهم التالية، وستهبط مركباتهم على سطح المريخ في الأمد المنظور، وستتجه لاحقاً إلى غيره من الكواكب الأخرى.
هذا البرنامج ثمرةٌ للتعاون الروسي الأوروبي، وكان يهدف إلى تجربة تكنولوجيا مسبارٍ يأمل علماء الطرفين في إرساله إلى سطح المريخ بحلول العام 2020. وبينما يتعاون الطرفان في برامج عملية لغزو الفضاء للمستقبل، نراهم يتصارعون الآن على تقاسم النفوذ في منطقتنا، ويأخذ كلٌّ منهم بعض قطعٍ من الأرض العربية التي نسميها دولاً وجمهوريات، ليضمها تحت نفوذه، في عودةٍ للاستعمار بثوبه الجديد.
إذا كنا قد هُنّا على أنفسنا، وهانت علينا كرامتنا، وفرّطنا في حريتنا وسيادتنا، واستهنا بحقوق شعوبنا ومصالحنا، وأضعنا فرص تنميتنا ونهضتنا، فلماذا نستنكر عليهم أن يملكوا أمورنا، ويسيّروننا ويتلاعبون بمصائرنا، ويحرّكوننا، كما يفعل اللاعبون في تسلياتهم بأحجار لعبة الشطرنج الخشبية.
تتابع نشرات الأخبار صباحاً ومساءً، فلا تشاهد غير مناظر الاقتتال والقتل والتفجير، وتدمير المدن والقرى الصغيرة، وهدم ما تم بناؤه خلال خمسين عاماً بعد جلاء المستعمرين. أكبر وأهم الدول العربية، سورية والعراق ومصر، يجري تدميرها مدينةً مدينة، وقريةً قرية، وهذه المرة على أيدي شعوبها المنقسمة على نفسها، بعد أن حُرّفت حركتها من طلب الحرية والكرامة، إلى اقتتال طائفي وقبلي ومناطقي. عشرات الآلاف من الشباب المخدّر، حرّكتها الأجهزة السرية وراء ستار، وجرى استخدامهم لسنوات لتنفيذ أجندات الدول الكبرى وخدمة مصالحها.
هناك يتنافسون ويتعاونون للوصول إلى الكواكب الأخرى وغزو الفضاء، وهنا صراعاتٌ عبثية، ليس فيها طرف غالب ولا مغلوب، والخاسر الأكبر فيها الشعوب والأوطان التي تواجه تدمير الحاضر وضياع المستقبل المحتوم.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/10/28