ابتكار الاستراتيجية المؤسسية عبر Design Thinking
منصور الجمري ..
في الأسبوع الماضي، أعلنت شركة Airbnb الأميركية، أنها ستقاضي ولاية نيويورك التي قد تسن قيوداً على تأجير السكن لفترات قصيرة، مما سيهدد مستقبل الشركة التي تعرض مساكن الأشخاص الذين يرغبون في تأجير مساكنهم لفترات محددة أثناء السنة.
جغرافياً، تقع شركة Airbnb على الطرف الآخر لأميركا، وهي مؤسسة تعتمد التكنولوجيا الرقمية في عرض تأجير السكن لفترات قصيرة في المدن الرئيسية في العالم، وفي مقدمة تلك المدن تأتي نيويورك. هذه الشركة حققت في العام ٢٠١٥ دخلاً قدره ٩٠٠ مليون دولار، وتطمح إلى تحقيق دخل يصل إلى ١٠ مليارات دولار في ٢٠٢٠، وأن تبدأ بتحقيق الأرباح بعد ذلك (حالياً لديها خسارة تشغيلية تبلغ نحو ١٥٠ مليون دولار). ولذا، فإن القانون الجديد الذي ستصدره ولاية نيويورك سيحد من طموحها في هذا المجال.
ولكن لو نظرنا إلى هذه الشركة، فإنه في العام ٢٠٠٩ كانت على حافة الإفلاس، وكان دخلها يعادل ٢٠٠ دولار أسبوعياً (نحو ١١ ألف دولار في السنة)... الشركة تستخدم أفضل البرمجيات التي تتوافر في «وادي السيليكون» في غرب أميركا، ولكن جميع الحلول التقنية فشلت في إنقاذ الشركة عندما قاربت على الإفلاس. غير أنه وبدلاً من الاستسلام، قام أحد مؤسسي الشركة بزيارة نيويورك مع اثنين من مساعديه، وحملوا معهم كاميرا رقمية، ونزلوا إلى الشوارع وذهبوا إلى الشقق والأماكن التي يمكن أن يرغب فيها من يود استئجار سكن في نيويورك، والتقطوا الصور وتحدثوا مع من أمكنهم التحدث إليهم كزبائن أو كمؤجرين. عادوا بعد أسبوع وقاموا بتصعيد صور المساكن المعروضة للإجار المؤقت في نيويورك، وأخذوا بالنصائح التي سمعوها، وكانت النتيجة مضاعفة الدخل بصورة مباشرة.
هذه القصة الموجزة تختصر فكرة استخدام منهجيةDesign Thinking في إعاد صوغ إستراتيجية المؤسسة وإعادة صوغ الخدمات (أو المنتجات) التي تقدمها المؤسسة. الفكرة تتحدث عن تحديد إستراتيجية المؤسسة عبر استخدام طريقة ابتكار التصميم Design Thinking.
وفي كتابه الصادر في 2009، بعنوانChange by Design، يشير المؤلف تيم براون إلى كيفية استخدام طريقة ابتكار التصميم Design Thinking في إلهام الإبداع وإحداث التغيير وإجراء التحولات داخل المؤسسات. الفكرة الجوهرية من كل ذلك هو أن كل شيء يمكن اعتباره شكلاً من أشكال التصميم، ليس فقط الهواتف والسيارات والأدوات المنزلية وغيرها، وإنما جميع المنتجات والخدمات والعمليات وصوغ الإستراتيجية... إلخ، تحتاج إلى تفكير إبداعي لحل المشكلات الحالية عبر تصور حلول مستقبلية.
مصطلح Design Thinking بدأ في بحوث وكتب نشرت في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وكانت تطرح كطريقة للتفكير والعصف الذهني بهدف ابتكار تصميمات هندسية أو معمارية أو في تخطيط المدن، وثم توسع المفهوم ليشمل ابتكار البحوث، وفي فترات لاحقة طرح المفهوم ذاته في إدارة أعمال المؤسسات الساعية لتصميم استراتيجيات مستقبلية.
وفي أصل المفهوم، فإن هناك آراء حول «التصميم» Design، إذ يرى باحثون بأن مجال «التصميم» يقع في مساحة مختلفة عن العلوم الطبيعية والفنون والعلوم الإنسانية؛ لأنها تركز في العادة على حل المشاكل problem solving الموجودة في عالم اليوم، وهي تفضل أن يبدأ المتخصص بتحديد المشكلة بدقة ومن ثم الانطلاق نحو إيجاد حل. أما طريقة التفكير من أجل ابتكار التصميم فتسعى لإيجاد حلول للمستقبل، ولذا فهو تفكير قائم على إيجاد حل Solution-based thinking. هذا الأمر يتطلب استخدام الإبداع لابتكار حلول من أجل تحسين المستقبل، بدلاً من حل مشكلة معينة موجودة حاليا.
ابتكار أفكار التصميم، محورها الإنسان، وترتكز الطريقة على دمج احتياجات الزبائن customer-centric design مع الإمكانات التكنولوجية للمؤسسة، ومع متطلبات نجاح الأعمال.
تتطلب منهجية Design Thinking النظر في كل الظروف والمحددات للمشكلة الحالية والمستقبلية؛ من أجل استكشاف حلول بديلة. الطريقة تبدأ بتحديد جوانب معروفة وتقييم الجوانب الغامضة في الوضع الحالي، لاكتشاف المعالم الخفية والمسارات البديلة المفتوحة على المستقبل، والتي قد تؤدي للوصول إلى الهدف. هذه الطريقة من التفكير تتطلب تكرار الحلول المحتملة iteration لتحديد مسارات بديلة، بما في ذلك إعادة تعريف المشكلة الأساسية.
جامعة ستانفورد الأميركية تتبنى Design Thinking، وتطرح العديد من البرامج التدريبية في معهد خاص للتصميم، وتستخدم هذا النهج في العصف الذهني وتمثيل الأدوار بهدف «توليد الأفكار» القادرة على تصور الحلول والتكيف مع النتائج.
أحد النماذج المستخدمة في هذا النهج يقسم العملية إلى المراحل الآتية:
- التعاطف مع الناس Empathiz، وهذا يتطلب التواصل مع الزبائن المحتملين ومعرفة رغباتهم، عبر رصد المستخدمين وسلوكهم في سياق حياتهم.
- تعريف الحل المطلوب مستقبلاً Define، وهذا يتطلب تفكيك كافة الأمور التي تم رصدها، والحصول على جميع المعلومات من خلال العصف الذهني ونتائج الرحلات أو التجارب التي نفذت.
- تصميم الأفكار Ideate، وهذه خطوة تستكمل عملية توليد الأفكار وتحديد المفاهيم وتصور النتائج، وتستهدف هذه الخطوة إنتاج حلول مبتكرة تستجيب لمتطلبات المستخدمين.
- تنفيذ أنموذج الحل Prototype، مع الالتفات إلى أن النماذج يمكن أن تكون سريعة ورخيصة لإثارة ردود الفعل المفيدة من المستخدمين والزملاء.
- اختبار الأنموذج المقترح Test، وهذا يتطلب استطلاع ردود الفعل حول الأنموذج، من المستخدمين بصورة أساسية، وكسب التعاطف مع الزبائن.
هذه المراحل ليست تسلسلية، ويمكن أن تحدث في وقت واحد، وأن تتكرر. كما أن هناك أدوات toolkit يمكن استخدامها في كل مرحلة، من أجل الخروج بحلول مبتكرة وقابلة للتنفيذ.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/10/28