أزمة الخطاب المسؤول
محمد العوفي ..
المتابع لتصريحات بعض الوزراء والمسؤولين في السنوات الأخيرة يدرك أن لدينا أزمة في الخطاب المسؤول (الخطاب والمقابلات التي يجريها بعض الوزراء والمسؤولين)، ويدرك حجم الحرج الذي تسببه مثل هذه المقابلات والتصريحات للحكومة سواء كان على المستوى الشعبي أو الرسمي محليا وخارجيا، فبعض هذه التصريحات تجاوز حدود اللياقة والأدب مع المواطن، ونزل إلى مستويات رخيصة لا يتم التحدث بها في الشوارع فما بالك في أماكن العمل أو المقابلات الرسمية، والبعض الآخر منها كشف أن المسؤول لا يملك المعلومات الكافية، ويكابر ولا يعترف بعدم امتلاك المعلومات في الوقت الراهن، بل يقدم معلومات خاطئة ليحرج نفسه وجهة عمله والحكومة.
التبعات التي تجلبها مثل هذه التصريحات من إرباك وفوضى للمجتمع بشكل كامل، وردود فعل سلبية، وخلق حالة من عدم اليقين والشكوك حول المستقبل، وصلت إلى مرحلة لا يمكن تجاوزها أو السكوت عنها، لذلك عالجت الحكومة سريعا بحكمتها بعض منها بإعفاء هذا المسؤول أو ذاك، وتبرأت الجهات الحكومية من بعض تصريحات مسؤوليها، واعتبرته رأيا شخصيا لا يمثلها رغم المنصب والمكانة الرسمية اللذين يشغلهما المتحدث، والبعض الآخر عالج بالاعتذار من قبل المسؤولين أنفسهم بعد حين، وأدرج تحت بند «خيانة التعبير» الذي لا يجلب يقينا، ولا يخفف صدمة، والأهم أن لغة التكذيب اختفت فلم يعد لها وجود في ظل استخدام أجهزة التسجيل الحديثة، ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وعودة للتصريحات غير المسؤولة التي تمتلئ بها ذاكرة المواطن، ووسائل التواصل الاجتماعي، وهي أكثر من الهم على القلب، ولست معنيا هنا بحرث رمادها مرة أخرى بعد إطفائها، نجد أنها كشفت عن وجود حلقة مفقودة في التواصل بين المسؤولين والمواطنين، وأن هناك مواقف سلبية مسبقة تجاه الآخر، وأن هناك شحنا نفسيا وصل إلى حد الانفجار خصوصا عندما يسأل المسؤول عن أي شيء له علاقة باحتياجات المواطن.
أزمة الخطاب المسؤول التي نمر بها لها أسباب كثيرة ومتعددة، أحد وأهم أسبابها الفوقية التي يتعامل بها الوزير أو المسؤول مع المواطن، أو حتى مع الموظف داخل إداراته، رغم أن الوزير أو المدير أو عضو الشورى أو المسؤول أيا كان مسماه لم يأت من النرويج أو السويد – كما قال الراحل غازي القصيبي – بل هم في الأصل مواطنون، لكن هذا الشعور بالفوقية وجد من يغذيه وينفخ فيه لتحقيق مكاسب شخصية بحتة، وقس على ذلك المؤسسات التعليمية أو باقي الجهات الحكومية الخدمية وغير الخدمية، فهي إلى أحد ما تتشابه في الفوقية والطبقية حتى وإن كانت غير معلنة.
العنوان الدال لأزمة الخطاب المسؤول الحالية يشي بأن فوقية الوزير أو المسؤول جعلته ينظر للمواطن أو الموظف بشيء من الازدراء، فلم يعد يحتمل طلبات أو استفسارات المواطن حول الخدمة المقدمة التي هي أصلا من صلب عمله، والمهمة التي تم اختياره من أجلها بما يتناقض مع توجهات الحكومة بأن خدمة المواطن أولوية قصوى.
عموما، حالة التبرم التي بدأت ترتفع حدتها من تصريحات بعض المسؤولين المستفزة، ما كان لها أن تكون لو نزل الوزراء والمسؤولون عن برجهم العاجي، وتميزت خطاباتهم وردودهم بالتواضع والرصانة والحصافة، وجمعت بين الذكاء والفطنة، ومحاكاة الواقع وتجلياته، وتعلموا كيفية امتصاص غضب المراجع والتعامل مع ضغوط العمل، ولن يكلفهم ذلك ريالا واحدا، ولن يقلل من قيمتهم الاجتماعية.
أعتقد أن أزمة الخطاب المسؤول التي نعانيها في الوقت الراهن تحتاج إلى مراجعة لغة التواصل بين المسؤول (وزيرا كان أم مديرا) مع المواطن والمراجع من خلال الاستعانة بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني لعقد حوارات مباشرة بين المسؤولين والمواطنين بما قد يسهم في تحسين لغة الخطاب مستقبلا.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/10/29