آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
مأمون كيوان
عن الكاتب :
باحث سوري في الشؤون الإسرائيلية

الرابح الأكبر: برلسكوني أميركا أم آل كلينتون

 

مأمون كيوان ..

ساد لردح طويل في الأدبيات السياسية المتعلقة بنظم الحكم السياسية، اعتقاد يفيد بأن حكم العائلات والسلالات هو سمة حصرية لنظم الحكم الملكية والسلطانية والإمبراطورية. أما في نظم الحكم الجمهورية بأنماطها المختلفة فلا وجود لحكم العائلات، وأن قضية توريث السلطة تمثل ظاهرة عابرة أو استثنائية لا تلغي القواعد الرئيسة لنظام الحكم الجمهوري. لكن ثمة مؤشرات وتجارب حكم في عدد من الدول الكبرى والصغرى، أو الديمقراطية والاستبدادية تفيد بوجود دور مهم ومؤثر للعائلة في مختلف أنماط نظم الحكم، ولهذا الدور شروط وضوابط محددة.

 

وفي الوقت الذي نجد فيه ظاهرة توريث السلطة متواصلة في كوريا الشمالية، من الجد إلى الابن ثم الحفيد. نجد أن ثمة مؤشرات تفيد بإمكانية توطين ظاهرة حكم السلالات أو العائلات تتبلور في الولايات المتحدة الأميركية.

 

ولطالما شهدت الولايات المتحدة الأميركية دوران المناصب القيادية، سواء على مستوى البيت الأبيض أو الكونجرس، أو حتى على المستوى المحلي في الولايات، بين عدد معروف من العائلات السياسية.

 

وهناك جدل حول قضية العائلات السياسية في التاريخ الأميركي، ومدى اتساق واقع أن تنتقل المناصب السياسية بين عائلات بعينها مع مبادئ الديمقراطية والمساواة.

وتمثل ظاهرة العائلات السياسية، بمعنى انتقال النفوذ والمناصب السياسية أو التنفيذية من جيل إلى جيل داخل العائلة الواحدة، أو بين الأشخاص الذين تجمعهم صلة من القرابة، ملمحا مهما في الحياة السياسية الأميركية.

 

وهناك عدد من العائلات السياسية البارزة في التاريخ الأميركي التي تولت مناصب قيادية، سواء على المستوى الفيدرالي أو القومي أو حتى على مستوى قمة النظام السياسي، فمن بين 44 رئيسا منتخبا، جاء ثمانية منهم من أربع عائلات هي؛ آدمز وهاريسون وروزفلت وبوش، حيث كان هناك رئيسان من كل عائلة. أما فيما يتعلق بالكونجرس، فتشير الدراسات إلى أن هناك 700 عائلة سياسية تناوب أعضاؤها على شغل مقاعد في مجلسي الشيوخ والنواب.

 

وقد أوضحت دراسة نشرتها دورية الدراسات التشريعية في نوفمبر عام 2010، أنه خلال الـ20 عاما الماضية فإن 9% تقريبا من أعضاء الكونجرس كانت لهم صلة قرابة مع أعضاء خدموا في السابق. وقد أشارت دراسات أخرى إلى أن هناك 167 عائلة سياسية اُنتخب أعضاؤها لمناصب عامة على مدار ثلاثة أجيال متعاقبة، وأن 22 عائلة تم انتخاب أعضاؤها على مدار أربعة أجيال، وهناك 4 عائلات تناوب أعضاؤها على مقاعد الكونجرس على مدار خمسة أجيال.

 

وركزت دراسة نشرتها دورية الدراسات الاقتصادية في عام 2009، وقام بإعدادها ثلاثة من أبرز المتخصصين من جامعات كاليفورنيا وبروان ونورث ويسترن، والتي تحمل عنوان السلالات السياسية، على دور العائلات السياسية في الكونجرس الأميركي خلال الفترة الممتدة بين عامي 1789 وحتى عام 2006. وقد أوضح الباحثون أن تعريف "العائلة السياسية" يرتبط بثلاثة عوامل أساسها: أن يكون للعائلة تاريخ يمتد لثلاثة أجيال على الأقل، وأن تكون هناك رابطة دم بين الأشخاص الذين يمكن تصنيفهم بأنهم ينتمون إلى عائلة سياسية، كما يجب أن يثبت أن لهذه العائلة نفوذا سياسيا، أي أن من ينتمون إليها تولوا مناصب سياسية أو تنفيذية لأكثر من فترة أو لعدد ممتد من السنوات.

 

وهنالك رؤيتان متناقضتان تسودان الأوساط المهتمة بالشأن العام داخل الولايات المتحدة، فيما يتعلق بتولي شخص من عائلة سياسية ممتدة من منصب الرئيس، وتأثير ظاهرة السلالات السياسية عموما على كفاءة النظام السياسي الأميركي.

ويتبنى أصحاب الاتجاه الأول موقفا رافضا بالمطلق لفكرة تكرار تولي أشخاص من عائلات سياسية معينة المناصب المهمة في البلاد. ويرون في هذا الأمر تقويضا لفاعلية النظام السياسي، حيث يقوض مبدأ تساوي الفرص بين المواطنين، ويصعب من فرصة وجوه جديدة في التنافس على مناصب قيادية.

 

وفي هذا السياق، طالبت مجموعة سياسية ليبرالية معارضة تولي فرد من عائلتي بوش أو كلينتون منصب الرئاسة المواطنين الأميركيين بالتوقيع على عريضة بهذا الخصوص. وفي نفس الإطار واعتبرت باربارا بوش زوجة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب، أنه "هناك من هو أفضل من عائلات بوش وكلينتون وكينيدي، إنه أمر سخيف أن يتكرر نفس الأمر، فهنالك وجوه أفضل".

أما أصحاب الاتجاه الثاني، المؤيد، فيركزون على عوامل الجذب إلى فكرة استمرارية تولي عائلات سياسية معينة للمناصب السياسية والحكم، باعتبار أن هؤلاء لديهم خلفية جيدة عن كيفية عمل النظام السياسي ومهارات تتلاءم مع المناصب التي يتولونها بحكم نشأتهم في أسر سياسية وتدرجهم في المناصب.

 

ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن أعضاء العائلات السياسية أقل عرضة للفساد السياسي، كما أن اختيارهم يتم عبر الآليات الديمقراطية وتصويت الناخبين، حتى مع الوضع في الاعتبار أن الاسم التاريخي للعائلة وشهرتها قد يدفعان الناخبين إلى اختيارهم دون معرفة عميقة بهم أو بخبرتهم السياسية، لكن ما يطرحه المرشحون سيكون له دور في جذب الناخبين.

 

ويرتبط هذا الجدل بسجالات حول النشاط السياسي للأثرياء، لجهة قدرة العائلات الثرية على تقديم نخب وزعامات سياسية، إضافة إلى تأثيرها التقليدي على الناخب والمرشح وصانع القرار. فقد عرض الخبير الاقتصادي داريل  ويست      في كتابه "البليونيرات:  تأملات حول القشرة العليا     "، ظاهرة ثرونة السياسة، أي صعود الأثرياء على حساب بقية المجتمع، وقدرة الطبقة الثرية الصغيرة على النفوذ إلى العملية السياسية.                 ويقول ويست إن " ثرونة السياسة" ظاهرة لا تقتصر على الولايات المتحدة بمفردها،  بحسبانها موطن الرأسمالية النيوليبرالية، فقد ترشح الأثرياء للمناصب السياسية في النمسا، وأستراليا، وجورجيا، وتايلاند، وأوكرانيا، وبريطانيا، ولبنان،  وغيرها من البلدان التي أصبحت الأوليجاركية تسيطر عليها.  وفي روسيا، أفسحت سياسات ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السبيل أمام هيمنة رجال الأعمال، حتى الصين الشيوعية يوجد فيها طبقة جديدة يطلق عليها " الأمراء".                              

 

ويشير ويست إلى أن الأثرياء أصبحوا على يقين بأن الانخراط في الحياة السياسية يؤثر في الحفاظ على مصالحهم، على العكس من الجمهور العام الذي أصبح مصابا بالسلبية السياسية، في الحالة الديمقراطية،  أو مستبعدا منها في الحالة السلطوية.  ففي دراسات تم إجراؤها لقياس المشاركة السياسية على طبقات الأثرياء،  وجد أن  99%  من الأثرياء الأميركيين يصوتون في الانتخابات الرئاسية، وهو ضعف مشاركة الجماهير المتوسطة والفقيرة في هذه الانتخابات، كما أن نحو الثلثين من الأثرياء  68%  قاموا بتبرعات انتخابية لحملات السياسيين، مقابل  14%  من الطبقات الأخرى.                                                  

 

وتوضح الدراسات أن هناك فجوة كبيرة بين توجهات  1%  من الأميركيين الذين يمثلون " القشرة الثرية"  عن أغلب الأميركيين فيما يتعلق بسياسات الضرائب،  والصحة،  والرفاهة،  والتعليم،  وغيرها من قضايا متعلقة بالسياسات العامة، فيؤيد  58%  من الأثرياء سياسات خفض الإنفاق على دعم التعليم والتأمين الصحي، ويرى  71%  منهم أن على الدولة ألا تتدخل لتنظيم شؤون الاقتصاد.                                                                                

 

وبحسب مجلة "فوربس" هناك 185 عائلة أميركية تبلغ ثرواتها أكثر من مليار دولار. وأغنى عائلة في أميركا، وفي العالم أيضا، هي عائلة والتون، وهي أسرة فتية نسبيا، وهي معروفة منذ 52 عاما فقط. يبلغ مجموع ثروتها 152 مليار دولار. وتليها أسرة كوك، بثروة قدرها 89 مليار دولار. أما عمر الأسرة فيبلغ 89 عاما. ثم أسرة مارس، بثروة قدرها 60 مليار دولار. وعمر الأسرة يبلغ 103 أعوام.

وترجح بعض التقديرات فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية في الثامن من نوفمبر بصفته برلسكوني أميركا والممثل الجيد للأثرياء من جهة، ومن جهة أخرى لأنه سينهي ظاهرة حكم العائلات بمنعه عودة آل كلينتون إلى البيت الأبيض.

 

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/10/30

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد