مجلس الشورى وحكاية قيادة المرأة للسيارة
سليمان الضحيان ..
في رياضة (التطعيس) السعودية -وهي رياضة قيادة السيارة في كثبان الرمال- حينما تكون السيارة تسير صعدا في كثيب، ويكون القائد غير ماهر غالبا ما تنحرف يمنة أو يسرة، فتقف في وسط الكثيب، ولا يستطيع قائدها إخراجها، ويقال عنها حينئذ (ثولثت)، ويبدو أن أصدق وصف لحال مجلس الشورى مع قضية قيادة المرأة السيارة أن المجلس ثولث فيها، فلا هو بالذي تركها، ولم يتعرض لها مطلقا، ولا هو بالذي بت فيها برأي قاطع، وحسبك أن تعلم أن البحث عن جملة (مجلس الشورى وقيادة المرأة) في محرك البحث قوقل يخرج حوالي مليون وثلاثين ألف نتيجة.
وقصة مجلس الشورى مع قيادة المرأة للسيارة بدأت منذ الدورة الرابعة عام 2005، عندما أثار الدكتور عبدالله بخاري الموضوع خلال إحدى الجلسات، ثم تقدم د. محمد آل زلفه باقتراح توصية بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، ورفض المجلس مناقشتها بحجة أنه ليس من صلاحياته مناقشة قضية سبق أن صدرت فيها فتوى شرعية.
ثم في يناير عام 2011 قدمت عريضة موقعة من 136 شخصية وطنية، وحين شاع أن المجلس سيناقش القضية سارع المتحدث باسمه بنفي أن يكون موضوع قيادة المرأة للسيارة في المملكة مطروحا للنقاش في جداول الأعمال خلال الفترة المقبلة، ثم قدمت لجنة حقوق الإنسان والعرائض في المجلس وثيقة في عام 2013 موقعة من أكثر من 3 آلاف مواطن، ومنسقها الأستاذ عبدالله العلمي، واقترحت
اللجنة طرحها ضمن مناقشات المجلس، ووجهت دعوة لمنسقها الأستاذ العلمي لحضور مناقشة موضوع قيادة المرأة للسيارة في مارس 2011، ولكن تم إلغاء الدعوة من المجلس، وألغيت مناقشة القضية.
ثم في يونيو من العام نفسه صرح رئيس مجلس الشورى باستعداد المجلس لمناقشة موضوع قيادة المرأة للسيارة متى ما عرض عليه، وأن موضوع قيادة المرأة للسيارة لم يعرض حتى الآن، وهذا ما أنعش الأمل لدى أصحاب الوثيقة السابقة فأرسلوا خطابا لرئيس المجلس في 28 سبتمبر من العام نفسه لمطالبة المجلس لمناقشة القضية، استغل أصحاب الوثيقة السابقة ذلك، ثم أشفعوه بخطاب ثان في 13 نوفمبر من العام نفسه، ولم يستجب المجلس لطلبهم.
ثم في نهاية عام 2013 عادت القضية بقوة لمجلس الشورى، إذ تقدمت ثلاث عضوات (د. لطيفة الشعلان، ومنى مشيط، وهيا المنيع) بمقترح يهدف لتمكين المرأة من قيادة السيارة، وظل المقترح من دون نقاش، وبعد عدة شهور، وفي عام 2014 غردت عضوة في تويتر عن المقترح، وشاع أن المجلس سيناقش المقترح، عندها سارع المجلس بنفي قبوله التوصية أو قرار إحالتها إلى لجنة النقل لدراستها.
ثم في العام نفسه أذاعت بعض وسائل الإعلام العالمية كقناة (بي بي سي) البريطانية، ووكالة (اسوشيتدبرس) أن مجلس الشورى السعودي أوصى بتمكين المرأة من قيادة السيارة وفق ضوابط ذكرها، وصرح مصدر من مجلس الشورى لــ (العربية نت) طالبا عدم ذكر اسمه بذلك. عندها سارع الناطق باسم المجلس بأن الخبر بتوصية المجلس بالسماح لقيادة المرأة غير صحيح.
ثم وصلنا لعام 2016، حيث تقدم عضو من المجلس باقتراح توصية لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية، لتهيئة البيئة لقيادة المرأة للسيارة، وهي توصية تعود بالقضية إلى المربع الأول كما قالت عضو المجلس د. لطيفة الشعلان، ورفضت برفض التوصية.
هذه هي باختصار حكاية مجلس الشورى وقيادة المرأة للسيارة، ويبدو أن ثمة سرا في هذا التردد من مجلس الشورى، وأن تعليق القضية والمراوحة فيها وعدم البت فيها مقصود لذاته، إذ لا يمكن تفسير الحساسية المفرطة من المجلس من مناقشتها بخوفه من ردة فعل المجتمع، إذ إن المجتمع قد تهيأ لذلك، ثم إن هذه القضية ليست بأكثر ممانعة من قضايا تعليم المرأة ودخول المرأة مجلس الشورى وقبول ترشيحها في الانتخابات البلدية، فكل هذه القضايا تواجه رفضا واسعا من المجتمع ومع هذا جرى البت فيها، وإنهاء الجدل فيها. ولهذا فأتعجب من حماس بعض أعضاء مجلس الشورى لمناقشتها مع رؤيتهم حساسية المجلس منها، خاصة أن إنهاء القضية بقرار حاسم مسألة وقت دون أن يشغل مجلس الشورى نفسه بها، فهي قد أصبحت من عوامل رسم صورة قاتمة للسعودية في مخيلة شعوب العالم، ولا يمكن أن تظل معلقة أكثر من ذلك.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/11/10