دول نفطية... ولكن!
جعفر الصائغ ..
تُصنّف بلدان العالم على أساس تنميتها الاقتصادية، فالدول الأكثر تطوراً تسمى بالدول المتقدمة أو العالم الأول، في حين يطلق على الدول الأقل تطوراً ونمواً بالدول النامية أو دول العالم الثالث.
ويستند التصنيف الدولي إلى عدة معايير، مثل نصيب الفرد من الدخل، ودرجة التنوّع في الصادرات، وحجم إجمالي الناتج المحلي ومكوّناته، ومستوى الاندماج في النظام المالي العالمي.
وعلى الرغم من ارتفاع نصيب دخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي في دول مجلس التعاون الخليجي، ووجود فوائض مالية ضخمة، إلا أن هذه الدول الغنية بالنفط تُصنّف من دول العالم الثالث.
لا أعرف إلى متى سنبقى دولاً نامية؟ وماذا ينقصنا من موارد وكفاءات ومعرفة حتى نصبح دولاً متقدمة صناعياً بقدرات تنافسية عالية نعتمد على العلم والمعرفة؟ ألم تكن لدينا رؤية قبل عقود من الزمن لنحوّل مواردنا النفطية الهائلة إلى صناعات ومؤسسات تنتج السلع والخدمات كما فعلت دول أخرى؟ هل حكم علينا الدهر بأن نبقى في حلقة مطاطية ظاهرها الرفاه والتمدن وباطنها استنزاف لمواردنا المحدودة؟ هل يعقل بعد كل هذه السنين أننا مازلنا نبحث عن الكيفية التي يمكن بها استغلال مواردنا النفطية؟
لم تعد المعجزات الاقتصادية والابتكارات والمعرفة والتكنولوجيا والصناعات الثقيلة حكراً على بلدان معينة، فكثير من الدول النامية مثل سنغافورة والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا وتايلاند وماليزيا وتركيا وحتى الهند... نجحت بفضل رؤيتها وقدراتها المتواضعة في أن تحقّق ما نحلم نحن بتحقيقه، من خلق قاعدة صناعية متطورة، واقتصاد متقدم يضاهي وينافس الاقتصاديات الصناعية.
إنه ومن خلال الإرادة والاستغلال الأمثل للإمكانيات والموارد والفرص والتخطيط السليم المبني على رؤية مستقبلية، بإمكان أي مجتمع أن ينمو ويزدهر ويحقّق النجاح المبهر، وبإمكانه أن يهزم كل التحديات والعقبات ويصل إلى ما وصلت إليه المجتمعات المتقدمة.
التقدم والنجاح يكونان دائماً من نصيب المجتمع الذي يمتلك الإرادة والتضحية. لن يتغيّر موقعنا الاقتصادي إلا بعد أن تكون لدينا الرغبة الجادة في التغيير، تغيير عقيدتنا وفلسفتنا الاقتصادية؛ تغيير فهمنا للتنمية البشرية وعلم الموارد المحدودة وكيفية استغلالها؛ تغيير نمط الاستهلاك الذي غدا عنصراً مهماً في صناعة الفقر والتخلف؛ تغيير نهجنا في كيفية تحقيق العدالة الاجتماعية، وصون حقوق الأجيال القادمة؛ تغيير كيفية محاسبة المفسد والمقصر، وتغيير مفهومنا الخاطئ من أن ركوب السيارات الفارهة والسكن في أفخم الفلل والقصور لا يعني تقدماً اقتصادياً ولا إنجازاً علمياً.
بهذا الأسلوب والتغيير تنجح الأمم وتبلغ غاياتها، ويتطور الإنسان وينمو ويحقّق أهدافه التنموية، وتتحوّل الدول الفقيرة إلى دول صناعية متطورة.
المجتمعات التي سبقتنا في التنمية، واستطاعت أن تحقق الازدهار والاستقرار الاقتصادي، ووصلت إلى القمر وكواكب أخرى، هي ليست مخلوقات من الفضاء أو شعوب الله المختارة فضّلهم الله سبحانه وتعالى بقدرات وعقول خاصة وحرمنا منها، بل على العكس تماماً، لقد وهبنا الله موارد نادرة، وكتاباً عظيماً يرشدنا إلى علوم الأرض والسماء، وحضارةً كانت من أهم الحضارات التي سطع نجمها على وجه الأرض، ولعبت دوراً كبيراً في التقدم في شتى علوم الحياة، وأنجبت علماء عظماء صنعوا التاريخ وخدموا الإنسانية بعلمهم فساهموا في نهضة البشرية، مثل ابن الهيثم وجابر بن حيّان والخوارزمي وابن سيناء والكندي وابن النفيس.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/11/13