رد حكومي أضحكني... فمن يصدقه؟
هاني الفردان ..
منذ أن دخلت عالم الصحافة قبل 14 عاماً، وأنا متابع دقيق للشأن العمالي في البحرين، ولنشاطات وزارة العمل، وحركة العاطلين عن العمل وقضاياهم، وكذلك للحركة العمالية والنقابية في البحرين.
طوال تلك الفترة لم يصادفني رد حكومي أضحكني كثيراً كردها الأخير على مقترح برغبة مقدم من مجلس النواب، بشأن عدم تجديد عقود الأجانب في الوزارات والجهات الحكومية بنسبة 50 في المئة وإحلال الكوادر الوطنية في تلك الوظائف.
الحكومة بررت تحفظها على ذلك المقترح (5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016) بأن «البحرينيين يعزفون عن الوظائف التعليمية والطبية والهندسية في الوزارات والجهات الحكومية؛ بسبب العروض المغرية التي تعرض عليهم من القطاع الخاص، وهو ما جعل الجهات الحكومية تلجأ للتعاقد مع غير البحرينيين لسد العجز الواقع، مشيرة إلى أن هذه الوظائف يتركز فيها توظيف غير البحرينيين»!
لماذا أضحكني كثيراً هذا الرد؟
أضحكني لأن لسان حال الحكومة ومسئوليها في وزارة العمل طوال السنوات الماضية عندما يفتح باب الحديث عن البطالة وتوظيف الجامعيين، يكون ردها الدائم بأن العاطلين عن العمل وخصوصاً الجامعيين يتمسكون بالتوظيف في القطاع العام ويرفضون القطاع الخاص، وأن وزارة العمل ليست من صلاحياتها التوظيف في القطاع العام، وأنها تعرض على العاطلين أفضل ما لديها من وظائف في القطاع الخاص.
أضحكني ذلك الرد، كونه لا يعكس الحقيقة أبداً، بل يجافيها بشكل كامل، ويقلب الواقع، ويجري المياه عكس ما هو معروف وواضح لدى الجميع، فلا يوجد عاطلون في البحرين يرفضون العمل في القطاع العام، ولا أعتقد أن هناك خريجين في أي من التخصصات المذكورة يرفضون العمل في الحكومة ويفضلون القطاع الخاص، عدا الهندسة لقلة الشواغر الحكومية وكثرتها وتنوعها في القطاع الخاص.
تخيل عزيزي القارئ أن المطالبات «النيابية فقط» بوضع إستراتيجية وطنية لتوظيف العاطلين الجامعيين في وزارات الدولة ومؤسساتها الرسمية يعود للعام 2004 (أي قبل 12 عاماً) عندما تقدم خمسة نواب ممثلين عن الكتل الإسلامية، والديمقراطيين، والمستقلين، والأصالة باقتراح برغبة «بشأن وضع إستراتيجية وطنية لتوظيف العاطلين الجامعيين في وزارات الدولة ومؤسساتها الرسمية، وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لذلك».
تخيل عزيزي القارئ أنه بعد سنوات من وضع الخطط والاستراتيجيات في مشاريع رسمية كثيرة (رؤية 2030، إصلاح سوق العمل، إصلاح التعليم والتدريب) لجعل البحريني الخيار الأفضل للقطاع الخاص، والحد من التوجه نحو القطاع العام، تخرج علينا الحكومة بردها الأخير لتقول عكس ذلك!
في العام 2006 عندما ناقش النواب وضع إستراتيجية وطنية لتوظيف العاطلين الجامعيين في وزارات الدولة ومؤسساتها الرسمية جاء رد ديوان الخدمة المدنية (10 أبريل/ نيسان 2016) على ذلك المقترح بأن «وضع تلك الإستراتيجية ليس من اختصاص ديوان الخدمة»!
وفي رد الحكومة الأخير بين أن ديوان الخدمة المدنية «يقوم بالعمل على مشروع إدارة الإحلال، والذي بموجبه سيتم التأكد من وجود صفٍ ثانٍ من القيادات والموظفين في كل الوظائف المفصلية في الخدمة المدنية، وإعداد خطة لتحقيق ذلك»، مؤكدة أن الديوان يعمل حالياً على التنسيق مع الوزارات والجهات الحكومية بشأن خيارات تقنين توظيف الأجانب، وكذلك خفض الوظائف الاستشارية للأجانب.
بالعودة للتخصصات (التعليمية والطبية والهندسية) والتي تزعم الحكومة أن البحرينيين يعزفون عن العمل فيها في القطاع العام، ويفضلون القطاع الخاص عليها، فالكل يعلم أن رواتب المدرسين في المدارس الخاصة أضعف بكثير من رواتب المدرسين في القطاع العام، وأن كل خريجي التربية يفضلون القطاع العام وليس الخاص كما تدعي الحكومة.
هناك نائب قدم في مجلس النواب طلبات لـ 376 خريجاً بحرينياً عاطلاً في 35 تخصصاً أكاديمياً، مازالوا ينتظرون حقّهم الطبيعي والدستوري في الحصول على وظيفة لائقة في مجال التربية، فيما تتجه وزارة التربية والتعليم لاستقدام أجانب للتدريس حتى في مجال «التربية الرياضية»!
على صعيد المجال الطبي فإن قوائم العاطلين موجودة، ومنها ما كشف عنه النائب عادل حميد (5 أبريل 2016) عن وجود نحو 90 طبيب أسنان بحرينياً عاطلاً عن العمل، في الوقت الذي وظفت فيه وزارة الصحّة 7 أطباء أسنان غير بحرينيين.
ربما تخصص الهندسة، هو الوحيد الذي يكون في القطاع الخاص أفضل من العام، وهذه حقيقة، نظراً لقلة الوظائف الحكومية في هذا المجال، وكثرتها في الخاص.
المضحك أن الجهات الرسمية متى ما أرادت الهروب من قضية معينة اختلقت لها حكايات وقصصاً، فعندما كان خريجو الجامعات من العاطلين يصرون على التوظيف في القطاع العام وخصوصاً في مجال التربية، كانت الحكومة ترفض ذلك بحجة أن القطاع العام متشبع وأنها تسعى لجعل القطاع الخاص جاذباً للبحرينيين، كما تسعى لتوحيد المزايا بين القطاعين لإذابة تلك الفوارق التي تجعل العاطلين يرفضون القطاع الخاص ويفضلون العام.
وعندما أرادت الجهات الرسمية الهروب من عدم تجديد عقود الأجانب في الوزارات والجهات الحكومية وإحلال الكوادر الوطنية في تلك الوظائف، فإنها اختلقت عكس ما اختلقته من قبل، وذهبت للحديث عن أن البحرينيين يعزفون عن الوظائف التعليمية والطبية والهندسية في الوزارات والجهات الحكومية، فهل هناك بحريني يصدق ذلك الحديث!
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/11/16