آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
د. يوسف مكي
عن الكاتب :
دكتوراه في السياسة المقارنة - جامعة دينفر كولورادو. - رئيس تحرير صحيفة الحقيقة الأسبوعية، ورئيس التجديد العربي ومشارك في مجلة المستقبل العربي أستاذ محكم بمركز دراسات الوحدة العربية. - عضو في العديد من اللجان والمؤتمرات. - صدر له مؤلفات منها ولا يزال البعض تحت الطبع.

يوم غير مألوف في التاريخ الأميركي

 

يوسف مكي ..

لأول مرة تتيه البوصلة، التي اعتمدتها في قراءاتي للانتخابات الأميركية السابقة، قرابة 3 عقود. فقد ربطت جل تلك القراءات بالاقتصاد، وبدورة التضخم والكساد. فحين تكتمل دورة التضخم، تكون هناك حاجة ملحة، لوصول رئيس جمهوري، يقلب المعادلة، من خلال تخفيض الضرائب، وخلق بيئة ملائمة لكساد اقتصادي، يكون من نتائجه ضعف الطلب، وتراكم العرض، وتراجع دور الطبقة المتوسطة، وانتشار ظاهرة البطالة.

 

وكانت جل القراءات، قد أكدت أن برنامج الإنعاش الاقتصادي، الذي بدأ به الرئيس باراك أوباما، لم تكتمل دورته بعد. فعلى رغم أنه قطع شوطاً جيداً، على طريق حل المشاكل الكبرى، التي ورثها عن جورج بوش الابن، وأهمها تداعيات أزمة الرهن العقاري، وعلى رغم تمكنه من توظيف 5 ملايين، من العاطلين، فإن 5 ملايين أخرى، لاتزال تنتظر دورها، في الحصول على وظائف. وعودة الجمهوريين ستكون كارثة بكل المقاييس، بحق هؤلاء الذين ينتظرون حلولا جذرية لأوضاعهم الاقتصادية المزرية.

 

ليس ذلك فحسب، بل إن مشروع تخفيض الضرائب، وكما هو مألوف في السابق، سيؤدي إلى إلغاء أكثر من ربع مليون وظيفة، من قبل الحكومة الفيدرالية. وذلك أمر بديهي، أمام الترشيق المتوقع للخزينة الأميركية.

 

لكن ما حدث في الثامن من نوفمبر من هذا الشهر، هو خارج سياق التحليل الاقتصادي والسياسي، وليس بالإمكان وصفه، وفقاً للقاموس السياسي سوى أنه غير مألوف outliner. والكلمة نفسها تكاد تنطبق على المشهد بأسره. فلأول مرة في تاريخ الانتخابات الأميركية، ينتخب رئيس لا يحظى بتأييد أو دعم حزبه. ويقف بالضد من مرشح يحظى بتأييد كاسح ليس فقط من قبل حزبه، بل من المؤسسة السياسية الأميركية، بكل تناقضاتها. ويكفي في هذا السياق، الإشارة إلى أن 150 من كوادر الحزب الجمهوري، قد تنصلوا من تصريحات الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وأعلنوا أنهم ينحازون بأصواتهم للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. بل إن نائب الرئيس المنتخب، قد نأى بنفسه عن تصريحات رئيسه، عندما أدلى الأخير بتصريحات اعتبرت مسيئة للمرأة.

 

وأيا تكن تفسيرات ما حدث، فإنه حدث استثنائي وتاريخي بكل المقاييس. فلقد منحت كل التوقعات والاقتراعات، كلينتون فرصاً للفوز، تصل حد الإطلاق. وكان خروج ترامب، في جملة تصريحاته على المؤسسات الأميركية، ومهاجمته لها، واصطفاف أجهزة الإعلام، ومؤسسات الدعاية، وهوليود، ومعظم المؤسسات الفاعلة في الدولة الأميركية ضد برنامجه الانتخابي، قد أكد بما لا يقبل الشك، أن فرصته للفوز ضئيلة، أمام أي مرشح رئاسي، فما بالك وهو يواجه خصما عنيدا، متمرسا في العمل السياسي لأكثر من 30 عاما، هي كلينتون، التي كانت لمدة 8 أعوام السيدة الأولى. وقد شغلت منصب وزير الخارجية، في الدورة الأولى للرئيس باراك أوباما، كما شغلت عضوية الكونغرس الأميركي.

 

لقد ساد تصور لدى الكثير، بأن يوم الحسم الرئاسي، سيكون سهلا، ولن يكون طويلا. وحين أدلت كلينتون بصوتها الانتخابي، بدت ممتلئة حيوية وواثقة من النصر. وجاءت نتائج الفرز بالنسبة لها كارثية ومخيبة.

 

لقد كانت فاجعتها كبيرة بالحدث. وعلى غير عادة المرشحين الرئاسيين الآخرين، تأخرت كلينتون، في إلقاء خطاب الهزيمة 6 ساعات. حدث ذلك مع جون ماكين أثناء منافسته أوباما، رغم ثقته بالفوز، واعتداده بموقعه السياسي، وبما عرف عنه من دور كبير، ومتميز في حزبه. لقد خرج هذا السياسي المخضرم، مباشرة قبل اكتمال فرز الأصوات، ليعلن خطاب هزيمته، رافعا رأسه، وواثقا من أنه سيواصل دوره السياسي، في مواقع أخرى، في حزبه وفي الكونغرس، وبقية مؤسسات الدولة، أينما تمكن من التواجد.

 

سيكون ترامب، أول رئيس أميركي يخرج عن بيت الطاعة، ويأتي من خارج المؤسسات. وهو وضع لم يكن من المسموح به تاريخياً بالولايات المتحدة. لقد سجل لنا التاريخ الأميركي المعاصر، حالات معدودة، خرج فيها الرئيس الأميركي، عن المؤسسات، واستمد حضوره من الجمهور، لكنها انتهت بفواجع وكوارث.

 

وحده الرئيس الأميركي، روزفلت خرج منها سالما؛ بسبب احتدام الحرب العالمية الثانية، ودوره الكاريزمي فيها، وانتقل إلى العالم الآخر، وهو لما يزل رئيساً. وهو الرئيس الوحيد، في التاريخ المعاصر، الذي حظي بالانتخاب في دورات رئاسية ثلاث. أما الرئيس الثاني، فكان جون كنيدي، الذي تحول إلى زعيم شعبي، التف حول قيادته جمهور الشباب، وباتت كلماته، شعارات وأغاني وأهازيج يطربون لها. وقد توفي صريعاً، بعد حادثة اغتيال أودت به في مدينة تكساس. ولم يعرف بعد، حتى هذه اللحظة، من يقف خلف مصرعه، لكن كل الشائعات تشير إلى أن هذا الحادث، هو من صنع المؤسسة الأميركية، التي تجاوز الرئيس دورها وصلاحياتها.

 

أما الرئيس ريتشارد نيكسون، وقد عرف بتجاوزه الخطوط الحمر الأميركية، فيما يتعلق بالعلاقة مع الصين الشعبية، والعمل الحثيث من أجل إنهاء الحرب في الهند الصينية، فانتهى بفضيحة ووترغيت السيئة الذكر. ومثل ذلك حدث للمرشح الديمقراطي، غاري هارت القادم من ولاية كلورادو، والذي اتسمت تصريحاته بالحدة تجاه المؤسسة الأميركية، معلناً في كثير من الحالات استقلاليته عنها. وانتهت حياته السياسية بفضيحة جنسية مع الآنسة دونا رايس.

 

هل سيقوم ترامب، بترميم علاقته بالحزبين الرئيسيين، وبقية الجهات الفاعلة في صنع القرار الأميركي. ذلك أمر ملح، وإن لم يفعل ذلك فليس أمامه سوى الطوفان.

 

عليه أيضا، طمأنة دول العالم، وبشكل خاص زعماء أوروبا، بأن وصوله لسدة الرئاسة، لن يؤدي إلى إلحاق الضرر بعلاقة أميركا التاريخية والإستراتيجية بها. ولن يكون مفيداً كثيراً بالنسبة له حصول الجمهوريين على غالبية المقاعد بالكونغرس الأميركي، ما لم يتم هذا الترميم.

 

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2016/11/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد