ولنسم الأشياء بأسمائها.. يا نزاهة
محمد العوفي ..
في الفترة التي كانت فيها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» تجري تحقيقاتها حول تعيين ابن أحد الوزراء على بند الكفاءات المتميزة، رغم عدم انطباق الضوابط والشروط النظامية، تمنيت في مقال نشر في هذه الصحيفة حول استغلال بند الكفاءات المتميزة ألا تتوقف تحقيقات «نزاهة» حول سوء استغلال هذا البند عند هذه القضية، بل أن تتوسع وأن تطال كل الوزارات، لأن الشروط التي وضعت لاستقطاب الكفاءات المتميزة شيء، وما يدور في المكاتب المغلقة وخلف الكواليس شيء آخر لا علاقة له بالكفاءات المتميزة واستقطابها.
وجاء بيان «نزاهة» حول نتائج تحقيقاتها الذي رفع للمقام السامي، ليثبت عدم نظامية تعيين ابن أحد الوزراء، وعدم انطباق معايير استقطاب الكفاءات المتميزة، فوفقا لما ورد في بيانها «بمراجعة إجراءات التعاقد مع ابن أحد الوزراء، اتضح للهيئة أن وزارة الشؤون البلدية والقروية تعاقدت معه ولم تلتزم في العقد المبرم معه ببعض الضوابط والشروط النظامية التي حددها الأمر السامي رقم (34807) وتاريخ 26 /7 /1436هـ، اللازمة للتعاقد وفقا للبرنامج»، منها عدم قيام وزارة الشؤون البلدية والقروية بالتنسيق مع وزارة الخدمة المدنية حيال تحديد المقابل المالي المقرر له، للاسترشاد بذلك، ولضمان التناسب في الأجر المحدد مع الخبرة المهنية والتخصص، والأجر المقابل لذلك في سوق العمل، وعدم استكمال إجراءات الفحص الطبي، وعدم الالتزام بالسن المحدد للتعاقد، وهو أن لا يقل عن 33 سنة.
كما جاء مؤكدا لما كنت متوقعا، حيث اكتشفت الهيئة مخالفات في تعاقد عشر وزارات مع مواطنين برواتب عالية (وزارة الإسكان، وزارة الاقتصاد والتخطيط، وزارة الشؤون البلدية والقروية، وزارة الصحة، وزارة النقل، وزارة الثقافة والإعلام، وزارة التجارة والاستثمار، وزارة العدل، وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات).
وكانت مطالبتي مبنية على ملاحظات سابقة، تؤكد تماثل شبه الفساد في الجهات الحكومية، والاستغلال السيئ لكثير من القرارات الحكومية، منها قرار تثبيت موظفي البنود الذي صدر في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – يرحمه الله، حيث اكتشفت حالات تلاعب وتثبيت موظفين لا تنطبق عليها شروط التثبيت الواردة في قرار مجلس الوزراء، ولو أعيد فتح هذه الملف لاكتشف الكثير من الحالات.
ما ورد في بيان نزاهة يعد فسادا حتى وإن لم تسمه «نزاهة» صراحة، واستخدم معه المصطلح الأكثر تلطيفا «مخالفة»، فما حدث في وزارة الشؤون البلدية والقروية والوزارات التي تضمنها بيان «نزاهة» يعد فسادا لأنه يتضمن مخالفة للضوابط والشروط النظامية التي حددها الأمر السامي رقم (34807) وتاريخ 26/7/1436هـ، اللازمة للتعاقد على برنامج استقطاب الكفاءات المتميزة، لأن هذه المخالفات أفضت إلى هدر مالي، ومنح موظفين رواتب عالية جدا لا تتوافق مع إمكاناتهم ومؤهلاتهم، وجلب منفعة مالية لفئة لا تستحق ما حصلت عليه، واعتماد المحسوبية والولاء لذوي القربى في شغل الوظائف والمناصب، بدلا من الجدارة والكفاءة والمهارة والمهنية والنزاهة.
على أي حال، تسمية الأشياء بغير أسمائها تلطيفا وتخفيفا لن تغير من واقعها السيئ، ولن تقلل من أثرها السلبي على الوظيفة أو الاقتصاد أو التنمية، سواء أسمينا ما حدث «فسادا» أو أسميناه «مخالفات» أو «تجاوزات» كما تسميه «نزاهة»، فالاسم لن يغير كثيرا من الصورة القاتمة حول معايير الجدارة والكفاءة التي نأمل أن تكون الصوت الأبرز في التوظيف، والترقيات، والاستقطاب، ولن يقلل ذلك مما تعرضت له أخلاقيات الوظيفة العامة من انتهاك وتجاوزات.
زبدة القول، ما بعد بيان «نزاهة» هو الأهم، هل سيتم إصلاح تلك المخالفات، وإلغاء هذه التعاقدات، وإحالة مرتكبي تلك المخالفات إلى القضاء لمحاكمتهم أم ستكون بردا وسلاما؟!
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/11/29