من الضاحية الجنوبية إلى قلب باريس
قاسم حسين
بعد 28 ساعة من ضرب الإرهاب الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، وجّه ضربةً أخرى إلى قلب العاصمة الفرنسية باريس.
في الضربة البربرية الأولى، أوقع الإرهاب التكفيري 43 قتيلاً من الأبرياء، وأكثر من 230 جريحاً، حالة بعضهم خطيرة. وفيما بدأ سكان الضاحية المنكوبة برفع الأنقاض ولملمة الجراح، كانت اليد الآثمة نفسها توجّه ضربتها التالية لتودي بحياة 140 إلى جانب 200 جريح، 80 منهم في حالة حرجة. والعامل المشترك بينهما هو أن الإجرام اختار المدنيين الأبرياء للإيقاع بهم غدراً، في ساحات آمنة.
الجريمة في باريس تصدّرت مانشيتات الصحف الأجنبية، فاختارت «ليبراسيون» عنوان «مذابح في باريس»، ومثلها «الاندبندنت»: «مذبحة في شوارع باريس»، بينما اختارت «وول ستريت جورنال»: «مجزرة في باريس: باريس تحت الحصار»؛ و«الديلي ميرور»: «مقتل 140 في مجزرة باريس»؛ أما «الديلي تليغراف» فاختارت عنوان: «الحصار الدامي في باريس».
بعض الصحف ربطت عناوينها بالإرهاب، مثل «الجارديان»: «عودة الإرهاب إلى قلب باريس»؛ و«آيريش تايمز»: «موجة من الهجمات الإرهابية في باريس تخلّف 150 قتيلاً والعديد من الجرحى». أما «نيويورك تايمز» فاختارت عنوان: «هجمات باريس الإرهابية تقتل أكثر من 150 وفرنسا تعلن حالة الطوارئ». واختارت زميلتها «لوس انجليس تايمز» عنواناً طويلاً آخر: «تفجيرات وعمليات إطلاق نار في باريس تقتل 120 بما فيهم رهائن في حفلة موسيقية». أما عنوان «لا فوا دي نورد» (صوت الشمال) فاختارت عنوان «الرعب في باريس»، فيما اختصرت «ليكويب» الحدث كله في كلمة واحدة كبيرة ومعبرة ودقيقة: «الرعب».
من المؤكد أن الرعب سيلازم الفرنسيين لفترةٍ طويلةٍ، خصوصاً أن الإرهاب اختار توجيه ضربته إلى مواقع آمنة متفرقة، في قلب العاصمة، كلها تشهد حشوداً وتجمعات كبيرة، بهدف إيقاع أكبر عددٍ من الضحايا والآلام. كما اختار التوقيت مساء ليلةِ إجازة، حيث يخرج عشرات الألوف للسهرات والترفيه وحضور الأفلام والمباريات، وبالتالي ضرب إيقاع الحياة الآمن، وزرع الرعب في طريق الفرنسيين، وتهديدهم في كل خطوةٍ يسيرونها خارج منازلهم. وقد سارعت الحكومة في الساعات الأولى لمطالبتهم بالبقاء داخل المنازل.
الجريمة الجديدة جاءت بعد يوم من تفجيرات الضاحية، وبعد أسبوعين من تفجير الطائرة الروسية التي كانت تقل سياحاً مدنيين أبرياء فوق سيناء، وهي حلقات متداخلة لا يمكن فصل إحداها عن الأخرى. وتأتي في أعقاب زيادة الضغط العسكري الذي يتعرّض له تنظيم «داعش» في المنطقة، خصوصاً في الأراضي السورية. ويقرأ الكثيرون هذه الأحداث المتوالية في هذا السياق، باعتباره انتقاماً مما يتعرّض له من هزائم وانكسارات في الأسابيع الأخيرة. ومع اشتداد الضغط العسكري على «داعش»، ربما ينحو التنظيم لاختيار ساحات أخرى قريبة لتنفيذ عمليات انتقامية مشابهة في الدول المحيطة بالأراضي التي يسيطر عليها، وفي مقدمتها تركيا، كنوعٍ من التنفيس في بيئةٍ ربما كان يجدها حاضنةً.
ردود الفعل على تفجيرات باريس كانت سريعة، ففرنسا من دول المركز وليست من دول الهامش والأطراف، التي يُذبح فيها عشرات المدنيين يومياً بنفس الطرق الوحشية، دون أن يستدعي ذلك احتجاجاً أو حتى صدور بيان إدانة. فالرئيس الأميركي سارع إلى اعتبار هذا الاعتداء «ليس ضد فرنسا وحدها بل ضد الإنسانية كلها». وحين وقعت تفجيرات «شارل إيبدو» الإجرامية مطلع العام، شهدت باريس مظاهرةً شارك فيها رؤساء دول وحكومات ووزراء من خمسين دولة، بينما الضحايا المدنيون في نيجيريا أو العراق أو أفغانستان أو سورية وغيرها، يمر أكثرها حتى دون أن يعلن الأمين العام للأمم المتحدة عن قلقه.
عالمٌ مجنون انتهج سياسات دولية غير مسئولة، تدفع ثمنها الشعوب دائماً. عالمٌ مجنون زرع الريح ودعم هذه التنظيمات المتطرفة في الخفاء، وعاد علانيةً ليحصد العاصفة.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2015/11/15