قمة المنامة وقضيَّة الوحدة الخليجيَّة
قاسم حسين ..
عشية انعقاد القمَّة الخليجيَّة، قدّم الوزير السابق علي محمد فخرو محاضرة في مقر «جمعية التجمع القومي الديمقراطي»، مساء الإثنين (5 ديسمبر/ كانون الأول 2016) بعنوان: «الوحدة الخليجيَّة والأبعاد القوميَّة والإستراتيجيَّة»، ليعيد قرع الأجراس.
القيادي بالتجمع القومي محمود القصاب، قدّم للمحاضرة بالسؤال عن الوحدة، في زمنٍ بات العرب يقتلون العرب، في سورية والعراق واليمن ودول أخرى. وقال: «لا يمكن تحقيق الوحدة من دون ديمقراطيَّة وحُرِّيات ومشاركة شعبيَّة في القرار».
استهلَّ فخرو حديثه بالتأكيد على أنَّ الوحدة ليست حُلماً أو «يوتوبيا»، بل هي ضرورةٌ يفرضها التاريخ، فهذه الأمَّة الممزَّقة اليوم، عاشت موحَّدةً في القرون الماضية، تجمعها الأرض واللغة والتاريخ والدين. والوحدة ضرورة حياة، فحتى مصر، أقوى وأكبر دولة عربيَّة، لم تستطع أن تنهض من دونها سياسيّاً واقتصاديّاً وعسكريّاً، حتى في أوج نهضتها أيَّام جمال عبدالناصر، أو تحمي كيانها ووجودها.
وتساءل المفكر العروبي: عن أي وحدة نتحدَّث؟ هل تكون شاملة أم جزئيَّة أم سداسيّة (خليجية)؟ وأضاف: إن أي مشروع وحدة يعلن يجب أن نسنده؛ لأن الوحدة تعلو فوق بقيَّة الأولويَّات.
فخرو يؤمن بأنَّ الوحدة قضيَّة وجوديَّة وليست ظرفيَّة، وكان ينبغي ضمّ حتى العراق واليمن إلى مجلس التعاون، «ولو كانت اليمن موجودة بالمجلس لما حدث ما يحدث الآن»، حتى العراق اعترض البعض على انضمامه؛ «لأنه جمهورية ولا يناسبنا»، بينما يجب ألا تعلو أية خلافات على موضوع الوحدة، فـ «أيُّ نوعٍ من الوحدة سيكون أفضل من الوضع الممزَّق».
فخرو ظلَّ من بين الدُّعاة المخلصين لهذا المشروع لأكثر من نصف قرن، واستذكر طبيعة النقاشات التي كانت تدور بين أفراد جيله منذ كانوا طلبةً في الجامعة الأميركية ببيروت، كالحديث عن الوحدة الاندماجيَّة أو غير الاندماجيَّة، والفيدراليَّة والكونفيدراليَّة، والمستعجلة وغير المستعجلة، وقال إن الأفضل اعتماد الطريقة التدريجيَّة حتى لو كانت بطيئة. كما كان يتم التذرع بموضوع السيادة، كما حدث في تجربة الاتحاد بين ثماني إمارات في الخليج، وانتهى بإعلان قيام دولة الإمارات المتحدة بعد خروج قطر والبحرين مطلع السبعينات، وبالتالي سيساعد اعتماد الخيار التدريجي في التغلب على الحساسيات الموجودة بخصوص سيادة الدول.
تجربة الاتحاد الأوروبي، طرحها فخرو مثالاً، حيث قدّمت أوروبا نموذجاً رفيعاً لتغليب الوحدة على المصالح القطريَّة الضيِّقة، فكانت تدفع لأي دولة عضو ضعيف اقتصاديّاً؛ لكي ترتفع بمستواها، حتى داخل ألمانيا - أغنى بلد أوروبي - كان الاتحاد يدعم مناطق فقيرة ولم يقولوا إن ألمانيا نفسها دولة غنية. أما ألمانيا فدفعت الكثير الكثير من أجل النهوض بالجزء الشرقي منها بعد إعادة توحيد البلاد لمساواته بالشطر الغربي.
من المآخذ على مسيرة مجلس التعاون، أنَّ مناهج التعليم لم توحّد كاملاً، بما من شأنه أن يوحّد المشاعر والأفكار، مع أنَّنا أخذنا خطوات إيجابيَّة لكن شهدنا تراجعات. وقد استغرقنا 25 سنة حتى نوحّد التعرفة الجمركية، ومع ذلك لم تكن كاملة. أما الصحة فقال: دعوا المواطن يشعر بلذَّة الوحدة بتسهيل الحصول على العلاج في الخليج، وبدل أن يذهب للعلاج في ألمانيا، فليتوافر العلاج في دبي مثلاً، دون أن يخسر أو يدفع التكاليف. وبالمثل في مجال العمل، دعوا مجال التنافس مفتوحاً للكفاءات في شتَّى أقطار الخليج.
في سياق مراجعته للسياسة الخليجيّة، سلّم فخرو بواقع وجود أنظمة حكم مختلفة، لكنَّ الأهمّ من ذلك الخلاف في السياسة الخارجية، وأهم موضوع في السياسة الخارجية تعريف الأعداء، فهناك من بيننا من لم يعد يرى الوجود الصهيوني المحتل لأرض فلسطين عدوّاً، فضلاً عن موقفنا من أميركا، هل هي عدو أم صديق أم وسط. وماذا عن تركيا؟ وماذا عن إيران؟ فهي دولة مترامية الأطراف، لها مصالحها واقتصادها، ويجب أن تكون لنا نديَّة في التعامل معها، ليس بالتصادم والخصام، وإنما بالبحث عن المصالح، والندِيّةُ لا تتحقق إلا بالوحدة. فضلاً عن اختلافاتنا الظاهرة حول حركات الجهاد العنفي.
على مستوى مجلس التعاون، ذكّر فخرو بأنَّ البرلمان في بروكسل - عاصمة الاتحاد الأوروبي - له أسنان وسلطة ويطرح مشاريع، كما أنَّ الوضع يحتاج إلى وجود محكمة تحكم بين الأعضاء في حال بروز خلافات.
أغلب هذه القضايا التي أثارها فخرو هي موضع اتفاق بين الحضور وبين مختلف الشعوب العربية، إلا أنَّ إحدى نقاط الاختلاف ما طرحه من دعوة لاستنهاض المجتمع المدني، تزامناً مع القمة، حيث يفترض أن يكون هناك مؤتمر موازٍ. وقد شاهدتُّ مثل ذلك الحراك في مؤتمرٍ سابقٍ قبل سنوات في الكويت الشقيق، أما اليوم، وفي أعقاب إجهاض الربيع العربي، فقد أصبح المجتمع المدني مجرد أشباح. وهو ما جعل أحد الحاضرين يتساءل: أين هي منظمات المجتمع المدني اليوم؟
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/12/07