الاختبار الأخير
هاني الفردان ..
توعّد رئيس لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس النواب، بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية في أموال التقاعد، مؤكداً أنهم سيقدمون طلب تشكيل اللجنة الأسبوع المقبل (هذا الأسبوع)، فيما حذّر وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، من توقف العمل الإداري في الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي عند تشكيل لجنة التحقيق، وذلك أن الهيئة ستركز على لجنة التحقيق وستترك عملها اليومي والإداري.
قد تكون مسألة الحفاظ على أموال المتقاعدين «الفرصة الأخيرة» للسادة النواب، من أجل أن يثبتوا للناس عكس ما يعتقدون، ويرون، ويتلمسون، من فشل حقيقي في تحقيق أي مكسب تشريعي للمواطن البسيط.
طوال العامين الماضين اقتصر أداء مجلس النواب على طرح الأسئلة، والصراخ في المجلس والمناوشات فيما بينهم، ورفع القضايا على بعضهم بعضاً، وعلى المواطنين أيضاً! بينما لم تشكّل غير 5 لجان تحقيق حسب التقارير الصحافية، ولم يمتد عملها جميعاً أكثر من عام، فيما لم تنهِ لجنتان تقاريرهما النهائية على رغم تشكيل هذه اللجان في أدوار انعقاد سابقة.
الملاحظ أن جل لجان التحقيق التي شكّلها المجلس النيابي كانت في دور الانعقاد الأول، بداية العام 2015، فيما عدا لجنة تحقيق واحدة شُكّلت في الدور الثاني، فكانت تلك اللجان في قمة حماس النواب الجدد، حتى اصطدموا بواقعهم، فتراجع حماسهم.
المجلس النيابي الحالي لم ينجح في تقديم أي استجواب على رغم طرح النواب لثلاثة استجوابات سابقة أفشلها عدم وجود الغالبية، وبذلك يكون الأداء الرقابي للمجلس النيابي مقتصراً على الأسئلة والمقترحات برغبة.
بالعودة لأموال المتقاعدين، فهي بحق في «خطر» بعيداً عن تبريرات المسئولين، وحزمة الأرقام التي يقولونها ويقدّمونها، خصوصاً عندما تكون بالملايين، ولكنها كلها حبر على ورق، وهي أموال ليست فاعلة، بل تزين الموازنات السنوية للهيئة التي يقال منذ سنوات طويلة أنها تعاني من «إفلاس اكتواري».
السادة النواب، ما هي الفائدة التي سيجنيها المواطن البحريني، العامل أو المتقاعد، من الأرقام الكبيرة التي طرحها مسئولو الهيئة عليكم؟ ما هي الفائدة التي دخلت كسيولة نقدية في حسابات الهيئة من تلك «الأرض الميتة»؟
بلغة «الأرقام»، فإن صندوق التأمين الاجتماعي لديه من الأموال ما يعادل الكثير، فبحسب وزير المالية فإن «القيمة السوقية للأراضي تضاعفت بنسب أعلى من قيمة شرائها، وهذا صحيح، وأن «الأراضي العقارية الخام الاستثمارية لصناديق التقاعد، من بينها أراضي السيف، بلغت قيمة شرائها ثلاثة ملايين دينار، وارتفعت قيمتها السوقية إلى ثلاثين مليون دينار، فيما بلغت قيمة شراء الأراضي ما بين جسري المحرق 11 مليون دينار، وتبلغ قيمتها السوقية الحالية 22 مليون دينار، كما أن الأرض الممنوحة من عاهل البلاد جلالة الملك في البحر بمنطقة قلالي، تبلغ قيمتها الشرائية 167 مليون دينار، وارتفعت قيمتها السوقية إلى 330 مليون دينار»، أي أن إجمالي القيمة السوقية لتلك الأراضي بلغ 382 مليون دينار، إلا أن ذلك الرقم عائده في خزائن صندوق التقاعد «صفر»؟
السادة النواب: إنكم اليوم أمام الاختبار الأخير لكم لحفظ حقوق المواطن البسيط، فبدلاً من تعديل نظام التقاعد وتحميل المواطن تبعات هدر المال العام للمسئولين وإضاعتها، وعدم حسن التصرف فيها، وإدارة استثمارها بشكل جيد، لابد من وضع حلول جذرية لتطوير الصناديق الاستثمارية والعقارية في هيئة التأمين الاجتماعي.
السادة النواب، بحجة «الدراسات الأكتوارية» التي أجرتها الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي للوقوف على الوضع المالي والاكتواري للصناديق، وما تبين من خلالها من ضرورة البدء في إجراء إصلاحات على الأنظمة التقاعدية والتأمينية القائمة، سيكون ذلك على حساب المواطن.
جملة الإصلاحات التي يريدها مسئولو الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي، وبالطبع هي مقترحات «الخبير الإكتواري» حسب ادعائهم، «تهدف إلى استدامة الصناديق وتحسين أوضاعها المالية والحدّ من زيادة العجز الاكتواري، منها ما يتعلق بإعادة النظر في نسب الاشتراك دون المساس بالحقوق التقاعدية التأمينية المكتسبة، مع الأخذ بمبدأ التدرّج في التطبيق لمنع الإضرار بأصحاب مدد الخدمة الطويلة».
السادة النواب: إن المواطن هو «الطوفة الهبيطة» في كل شيء، فعندما يعجز أو يفشل أي مسئول في إدارة مسئولياته، يلجأ إلى «الخبير» و»الدراسة الأكتوارية» لتحميل الناس فشلهم وإخفاقاتهم في إدارة أموال تلك الصناديق، فهل يعقل أن الهيئة عاجزة عن استثمار أراضٍ عقارية بلغت قيمتها 382 مليون دينار؟ فلو استثمرت بالشكل الصحيح ومنذ سنوات طويلة، لأصبح عائدها المالي داعماً لصناديق التقاعد، ومانعاً للحديث عن «الإفلاس الأكتواري»، ومشجعاً على تطوير الخدمات التي تقدّم للمتقاعدين.
السادة النواب... هذا هو الاختبار الأخير لكم، اتمنى أن تنجحوا.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/01/09