التستر على «داعش» والتهديد بـ «القاعدة»
هاني الفردان ..
أجمل ما في وقتنا الراهن، أن كل شيء أصبح موثقاً، وأن الناس أصبحت تتمتع بذاكرة قوية، وقدرة عالية على الربط بين الحوادث والأمور، واستحضار كل ما قيل في المراحل الماضية بكل يسر وسهولة.
ليس صعباً على أي فرد عادي الرجوع قليلاً للوراء لاستحضار ذلك الماضي غير البعيد، ولمعرفة مدى تقلب البعض وتلونه، واكتشاف ألاعيبه «الساذجة» والغبية أيضاً.
يمكن لأي فرد أن يسوق الاتهامات لأي أحد، وأن يرميه بما يريد، عندما يكون ذلك الفرد يمتلك «حصانة» تعلو القانون، فيعتقد أنه بكذبه وتزييفه للحقائق والواقع قادر على إغواء الناس، وحرف الرأي العام، وتلويث أفكارهم بترهات عفا عليها الزمان، وأصبحت بالية، متهالكة، ومستهلكة.
بالنسبة لنا ندين كل أنواع الإرهاب ومن أيٍّ كان، ونرفض وبشدة قتل الأبرياء من رجال الأمن أو غيرهم، فلا مبرر إنسانيّاً أو دينيّاً يبيح سفك الدماء مهما كانت المبررات أو الأعذار.
من برر للإرهاب؟ ومن هدد بـ «القاعدة»؟ ومن رفض الحديث عن وجود «داعش» في البحرين؟ ومن حذر المسئولين من مغبة الوقوع في «فخ» الحديث عن وجود «داعش» في البحرين للتستر عليهم، وشغل الرأي العام والجهات الأمنية عن حقيقة وجودهم؟ من يخلط الأوراق ويسعى لتحقيق المكاسب الشخصية على حساب المنافع العامة؟ من تبرأ من أصله وفصله ورمى غيره بما هو تبرأ منه؟
لماذا دائماً ما يتم الحديث عن أن هناك في هذا العالم من لا يتعلم من تجارب الآخرين؟ لأنها حقيقة راسخة عندما تجد عقولاً جامدة لا تستوعب الدروس ولا العبر، ولا تتغير على رغم كل ما يحدث أمامها من متغيرات، إلا وفقاً لإملاءات وشروط تفرض عليها جبراً لا اختياراً.
استراتيجيات غبية، يتبعها البعض، بدأت في مارس/ آذار 2013 من خلال التخويف بـ «القاعدة وأخواتها» وهو أمر ليس بجديد، فقد كُتبت هذه العبارة في البحرين بوضوح وبالحرف الواحد «التطرف السني الذي بدأ ينشط مؤخراً سيتسيد هو الموقف لا في مواجهة الشيعة فقط بل حتى في مواجهة المصالح الأميركية»، عبارة واضحة المعالم في رسالة دقيقة ومقصودة، وهي جاءت في سياق التهديد بـ «القاعدة» لمواجهة أي تغيير في البحرين، فمن يدين الإرهاب بشتى أنواعه، ولا يكيل بمكيالين لا يهدد باستدعاء «القاعدة»!
ما كتب في مارس 2013 لم يستوعب ثقله لا مجتمعياً ولا سياسيّاً سواء محليّاً أو حتى دوليّاً، إلا بعد نشره، لنجد أنه في يوم واحد طرح تبريراً مطوَّلاً جداً لم تستوعبه المساحة المعتادة، بل تجاوز لتفاصيل مطولة في محاولة عبثية لتفسير ما هو مفسر، ولتبرير ما هو مبرر، وللتراجع عن التحذير والتهديد بـ «استخدام تنظيم القاعدة» في حال فرض التغيير على البحرين، بحجة حفظ حقوق «الغالبية»!
في ذلك الوقت وضمن منهجية تبرير «غبية»، قيل إن ذلك «التهديد بالقاعدة»، ما كان إلا «تنبيهاً إلى سيناريوهات مقاربة على النضوج»، ولنضع ألف خط أيضاً تحت ذلك التبرير، بكل ما فيه من سذاجة سياسية.
بعد التهديد بالقاعدة، الأشخاص ذاتهم عادوا للحديث والتحذير من «الفخ»، والانسياق والانجرار إلى الحديث عن «ما لا وجود له في البحرين»، ويقصد بذلك «داعش».
ذلك التحذير خرج عندما تحدث من كان منهم وفيهم عن أن «جُلّ البحرينيين الذين يتجهون للقتال في سورية ينخرطون مع جبهتي «داعش» و (النصرة)»، وكذلك وجود «من يحاول تسميم أفكار الشباب (في البحرين) وتشجيعهم على القتال هناك (سورية)»، داعياً السلطات إلى «اتخاذ اللازم تجاه هؤلاء».
ذلك الحديث عن وجود «داعش» في البحرين لم يعجب «من لا يكيل بمكيالين»، فطالب بعدم الوقوع في «الفخ» والحديث عن ما لا وجود له!
الإرهاب واحد سواء كان من هنا أو هناك، من هذه الفئة أو من تلك، ومن لا يكيل بمكيالين، لا يصف هذه الجماعة بـ «الإرهابية» فقط لاختلافه معهم سياسيّاً، ويهدد بـ «القاعدة»، ويتستر على وجود «داعش» لتقاربه معهم.
من «لا يكيل بمكيالين» كما يقول، يضع الجميع سواسية كأسنان المشط، على حد القانون، ويطالب بنشر صور جميع المتهمين بـ «الإرهاب» من هنا أو هناك، وأن يعترف بخطئه، ويعتذر كأقل تقدير عن تهديده بـ «القاعدة» وتستره على «داعش».
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/01/11