آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
قاسم حسين
عن الكاتب :
كاتب بحريني

واقعٌ حزين


قاسم حسين ..

الفترة التي نمرُّ بها أعادت الكثيرين سنوات إلى الوراء، في وقتٍ كان لدينا بصيص أملٍ بأن نتقدّم ولو خطوةً واحدةً قصيرةً إلى الأمام.

أجواء الشد والتوتر تترك آثارها على نفوس البشر، وأوضاعهم الاجتماعية، ولأول مرةٍ منذ سنوات، تعود مظاهر الاحتقان مجدّداً، وترتفع في الأجواء روائح مسيلات الدموع، بعد فترة هدوءٍ وسكينةٍ استمرت لفترة طويلة.

هذه الأجواء تنعكس على مواقع التواصل الاجتماعي، فتلحظ بسهولةٍ ما يعيشه الشارع البحريني من اختلاف عميق حول القضايا المتعلقة بالشأن العام، بما يعطي انطباعاً بأنه أصبح بحرينين وليس بحريناً واحداً. ويمكنك أن تلمس هذا الفرق فيما يطرح من (هاشتاقات) متباينة إلى حد التناقض، تؤكّد وجود خلافات حادة في النظر إلى مشاكلنا وقضايانا وهمومنا التي يفترض أن تكون مشتركة.

الخلاف والاختلاف يمكن قبولهما بطبيعة الحال، فهذه سنّة الحياة، فلم يخلقنا الله نسخاً كربونية متطابقة، ولكن غير الطبيعي، والمخالف للمنطق والعقل، أن تسود لغةٌ بذيئةٌ في التراشق الكلامي، وترتفع شعارات ذات طابع عنصري وليس فقط طائفيّاً، ولا يرتدع البعض عن نشر خطابٍ يدل على روحٍ جاهليةٍ جرى تأصيلها في الظلام لسنواتٍ، في ظل غيابٍ من الوعي والضمير. وهو خطابٌ يعكس ترسّخ قيم الثأر والتشفّي بأصحاب المصائب، بينما المطلوب أن يترفّع الإنسان عن هذه السلوكيات التي كانت سائدةً أيام الجاهلية، وحاربها الإسلام الذي جاء ليعلّم أتباعه مكارم الأخلاق.

هذا الخطاب غير الوطني لم يكن يُنشر تحت أسماء وهمية مستعارة فحسب، وإنّما بات يجاهر بطرحه أشخاصٌ معروفون في حساباتهم الرسمية. والأسوأ من ذلك كله، أن بعض هؤلاء يعملون في مجالات تعنى بالشأن العام، حيث يهللون للغة تكشف عن نفوس سادية مريضة، بينما يفترض أن يكونوا في طليعة من يبشّرون بقيم إنسانية، وإشاعة روح الأخوة والسلام. لكن يا لخيبتهم، حيث أصبحوا كما قال السيد المسيح (ع) لتلاميذه: «أنتم ملح الأرض، فإذا فسد الملح فبماذا يُملّح؟».

يجب أن نسلّم بأننا مختلفون في الكثير من القضايا والأمور، وفي نظرتنا للواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفي رؤيتنا لطرق الحل والإصلاح والخروج من الأزمة التي نتخبط فيها منذ سنوات. لكن أن ينحدر تعاملنا مع بعضنا بعضاً إلى هذه المقاربة العنصرية البغيضة، فهذا دليلٌ على تردٍّ حضاري، وانحدار أخلاقي أولاً وأخيراً.

إننا نعيش اليوم في أزمة حقيقية، لا يمكن المكابرة بإنكارها، وما لا تعترف بوجوده في السياسة، ستصطدم بنتائجه حتماً في الاقتصاد، ففي مرحلة انهيار أسعار النفط، لم يعد ممكناً التغطية على الحقائق، وخصوصاً بعد رفع الدعم عن عددٍ من السلع الأساسية، والتوسّع الكبير في فرض الضرائب، في بلدٍ تعاني نسبة كبيرة من سكّانه من تدنّي مستوى الرواتب، ويعاني خرّيجوه الجدد من البطالة، في وقتٍ يذهب 80 في المئة من فرص العمل التي يولّدها الاقتصاد إلى العمالة الأجنبية.

هذا الواقع ينعكس على مواقع التواصل الاجتماعي، والفئات التي كانت تُؤثر السلامة وتتطلع إلى الاستئثار بالمكاسب، وجدت نفسها أمام منحدرٍ يهدّد بتآكل قدرتها الشرائية، وإيقاف الزيادة السنوية، حتى أصبحت هذه العبارة من أكثر (الهاشتاقات) انتشاراً خلال الأسبوع الماضي.

وأنا أتأمل وقائع هذا الواقع الحزين، بما شهده من حالة تشظٍّ وانقسام، تذكّرت الصورة التي رسمها الإمام علي (ع) لما كان يراه انحداراً نحو الهاوية قائلاً: «حتى يقوم الباكيان يبكيان... باكٍ يبكي لدينه، وباكٍ يبكي لدنياه». حفظ الله البحرين وخفّف عليها آلام المخاض.

صحيفة الوسط البحرينية

أضيف بتاريخ :2017/01/23

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد