اللون الأسود... طائفي!
هاني الفردان ..
فكرة لم تخطر على بال أحد، في يوم لم يكن اعتيادياً أبداً، حتى خسارة منتخب كرة اليد في مونديال كأس العالم بفرنسا أمام الشقيقة قطر، كان سببه اللون الأسود! فلماذا لبس المنتخب البحريني يوم الأحد (15 يناير/ كانون الثاني 2017) اللون الأسود؟
لم يكن ذلك السؤال عبثاً، فالمتعارف عليه عالمياً أن «السواد ملك الألوان، لون الحداد»، لم يكن الطرح في البحرين صدفةً، بل كان مرتبطاً بضجة أحدثها ذلك التصرف من المنتخب الرياضي بحسب محنكين «سياسياً»؟
تعدّدت الروايات بشأن سبب ارتباط الأسود بالعزاء والحزن، فمثلاً قيل إن المصريين اختاروا الملابس السوداء للحزن على قتلى الأقباط في عصر «دقلديانوس»، حينما قُتل مئة وثمانون ألف في يوم واحد. كما يوجد رواية تُنسب السبب وراء ارتداء الأسود للإنسان البدائي، فيقال إنه كان يطلي جسده بالكامل باللون الأسود في الجنازات ليُبعد عنه الأرواح.
شعوب أخرى ترتدي الأصفر والأبيض للحداد، فيقال إنه في اليابان والصين وبعض دول شرق آسيا، يُعد الأبيض هو اللون الأساسي في الحداد. أما في الفلبين وكمبوديا وبعض دول شرق وجنوب شرق آسيا، يُعد الأصفر هو لون الحداد، بينما يُعتبر «الأزرق» الداكن هو لون الحداد في رومانيا، والأحمر في أوروبا. وفي بعض القرى في المغرب، ترتدي الأرملة الملابس البيضاء لمدة 4 شهور و10 أيام حتى تنتهي فترة عدتها.
إذاً أي لون كان من المفترض على منتخبنا لكرة اليد لبسه في مباراته مع منتخب قطر في ذلك اليوم، إذا لم يكن الأسود، ولا الأحمر، أو حتى الأبيض، لأن هذه الألوان لها رمزية الحزن والحداد لدى الشعوب عالمياً، وقد يفسرها البعض بأنها حالة من «التواطؤ والخيانة» لهذه الأمة!
مع من منتخبنا اللابس للون الأسود؟ سؤال لم يُجب عليه بعد، ولماذا الأسود بالذات في هذا اليوم؟ لماذا لم يلبسوا «الأحمر» لون الدم، أو الأبيض رمزية الفرح والسعادة؟ وكيف ستفسر الأطراف المختلفة في البحرين تلك الألوان بين من يريدها سعادة، ومن يريدها حداداً!
لماذا رمزية الحداد؟ فكرة لم تطرأ على «إبليس نفسه» أن يربط لون ملابس منتخب كرة اليد في مباراته مع ما شهدته البحرين في ذلك اليوم، وتحويله إلى حالة سياسية صدّقها من صدقها، وسخر منها من سخر.
العاقل فقط من سيطرح على نفسه هذه الأسئلة قبل أن يتبنى تلك الفكرة، كما هي السرعة العالية وردة الفعل القوية لاتحاد كرة اليد لاتخاذ قرار تغيير لون لباس منتخب اليد؟ من هي الشركة الرياضية السريعة التي قامت بسرعة البرق بتصميم اللباس وإعداده ليكون جاهزاً بعد أقل من 12 ساعة ليلبسه لاعبو المنتخب للتعبير عن حدادهم؟ كيف أقنع اتحاد كرة اليد اللجنة المنظمة لبطولة كأس العالم بتغيير لون لباسه قبل ساعات فقط من المباراة؟ فهل كانت اللجنة المنظمة متواطئة أيضاً مع الاتحاد، خصوصاً أن الألوان مقرة مسبقاً وبشكل تنظيمي عالي الحرفية؟
أسئلة منطقية، لو طرحها أي عاقل على نفسه قبل أن يذهب بتفكيره إلى الاتجاه المعاكس سريعاً، والمتهم، دائماً والداعي والمطالب بالمحاسبة، لوجد الإجابة قبل أن يقحم نفسه في موقف «مخجل»، يعكس عن منهجية واضحة، يستوجب الحساب عليه كونه «شكك» و«خوّن» في بعثة رسمية تحمل على عاتقها رفع اسم هذا البلد وتمثيله في المحافل الدولية.
الكل يعلم أن ردات فعل الرياضيين والمنتخبات والأندية في حال رغبتها في التعبير عن حالة الحزن والحداد يكون بربط شريطة سوداء على ذراع اللاعبين، وهي كفيلة بأن يفهم العالم بأجمعه من هذه الحركة المتعارف عليها عالمياً، أن هذا الفريق أو المنتخب أو حتى اللاعب يعيش حالة حزن وحداد، دون الحاجة لأكثر من ذلك في البساطة والسهولة ليوصل رسالته.
الهوس، وضحالة الوعي السياسي والثقافي، يقودان لذلك التفكير دائماً غير المنطقي وغير العقلاني، والباحث عن ما يمكن اصطياده في الماء العكر، لتأجيج الفتن بين الناس.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/01/23