قراراتُ ترامب الجدليَّة
عبدالرحمن سعد العرابي ..
عشراتُ القراراتِ أصدرهَا الرئيسُ الأمريكيُّ دونالد ترامب في أيامهِ الأولى، بمَا يُعدُّ سابقةً لم تحدثْ في عهدِ رئيسٍ أمريكيٍّ أسبق، حسب سرعتِها وجدليتِها. وهي قراراتٌ في جوهرهَا تنفيذٌ لغالبيةِ عهودِه خلال الحملةِ الانتخابيَّةِ.
معظمُ تلك القرارات أثارت الجدلَ والغضبَ والمعارضةَ داخل الولايات المتحدة الأمريكيَّة، وخارجهَا على المستويين الرسميِّ والشعبيِّ، لكن أكثرها جدلاً ومعارضةً القرارُ التنفيذيُّ الذي وقَّعه يومَ الأربعاء الماضِي والقاضِي: «بمنعِ دخولِ مواطنِي سبعِ دولٍ عربيَّةٍ، وتعليق دخولِهم الأراضيَ الأمريكيَّة لمدَّة 120 يومًا، وفرض حظرٍ لمدَّة (30) يومًا، وتعليق إصدارِ تأشيراتٍ جديدةٍ لمدَّة (60) يومًا عليهم. «وهو مَا حدثَ بالفعلِ حين احتجزت السلطاتُ الأمريكيَّةُ في عددٍ من مطاراتِ الولايات المتحدة الأمريكيَّة عددًا من المهاجرينَ والزائرينَ القادمينَ من العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال والسودان وإيران، بل إنَّ مطاراتٍ خارجيَّةً كمطارِ القاهرةِ تمَّ فيه منعُ خمسةِ عراقيين، ويمنيٍّ من السفرِ إلى نيويورك رغم أنَّهم والآخرين المحتجزينَ في المطاراتِ الأمريكيَّة، ومنها مطارُ جي. إف. كينيدي في نيويورك يحملُونَ تأشيراتٍ أمريكيَّةً ساريةَ المفعولِ.
ولم يقتصر القرارُ على اللاجئينَ والمهاجرينَ من الدولِ السبعِ، بل حتَّى على الذينَ يحملُونَ بطاقةَ الإقامةِ الدائمةِ في الولايات المتحدة الأمريكيَّة الـ»غرين كارد»، البطاقة الخضراء، من مواطنِي الدولِ السبع. وهو ما يُشكِّلُ سابقةً لم تحدثْ من قبل. ممَّا دفعَ إلى إثارةِ عشراتِ المنظماتِ المدنيةِ المدافعةِ عن حقوقِ الإنسانِ، ومحامينَ وسياسيينَ رفعُوا على إثرهَا دعاوَى ضدَّ القرارِ، نجحتْ في استصدارِ قرارٍ من محكمةٍ اتحاديَّةٍ في نيويورك بإيقافِ ترحيلِ أيٍّ من اللاجئينَ والمسافرينَ المحتجزينَ في المطاراتِ الأمريكيَّةِ، وهو مَا اعتبرَهُ معارضُو القرارِ نصرًا للحرَّياتِ.
زعيم الأقلية الديمقراطيّة في الكونجرس السيناتور تشاك شومر اعتبرَ قرارَ ترامب: «رجعيًّا، وبأنَّ تمثالَ الحريَّة الشهيرَ يبكِي وتتساقط الدموعُ من عينيهِ بعدَ أنْ كانَ رمزًا لاستقبالِ المهاجرينَ واللاجئينَ». كما وصفتهُ النائبةُ في الكونجرس الأمريكيِّ نيديا فلاسكيز: «بأنَّه يتناقضُ معَ القيمِ الأمريكيَّةِ»، وشهدَ القرارُ أيضًا معارضةً خارجيَّةً من حلفاءِ للولايات المتحدة الأمريكيَّة كفرنسا، وألمانيا، فلمْ يتردَّد كلٌّ من الرئيسِ الفرنسيِّ فرانسوا هولاند، ولا المستشارةِ الألمانيَّةِ أنجيلا ميركل من توجيهِ انتقادٍ شديدٍ له، ولسياسةِ ترامب ضدَّ المهاجرينَ واللاجئينَ. كمَا وصفَه وزيرُ الخارجيَّةِ الفرنسي مارك إيروليت بأنَّه: «يضربُ عرضَ الحائطِ بالمبادئ والواجباتِ التي تقعُ على كاهلِ الديمقراطياتِ، ومنهَا استقبالُ اللاجئينَ الفارينَ من الحروبِ».
القرارُ عنصريٌّ في جوهرِهِ لتناقضِهِ معَ القوانين والمبادِئ الرسميَّةِ منهَا والإنسانيَّة، فاختيارُه مواطنِي دولٍ في كليَّتها إسلاميَّة إنَّمَا هو انتقائيَّةٌ ضدَّ الدِّين ولا شيءَ غيرَه، ويتعارضُ أيضًا معَ نصوصِ الدستورِ الأمريكيِّ التي تجرِّمُ أيَّ تفرقةٍ أو مفاضلةٍ أو انتقائيَّةٍ بناءً على عرقٍ أو لونٍ أو دينٍ، وهو ما سوفَ يشكِّلُ سابقةً تؤدِّي إلى معاملةٍ بالمثلِ ومعارضةً داخليَّةً تزيدُ في انقسامِ المجتمعِ الأمريكيَّةِ ذاته والذِي يضمُّ قرابةَ الأربعة ملايين مسلمٍ ومسلمةٍ، ويفاقمُ الشرخَ ويثيرُ الاضطراباتِ بمثلِ ما شهدتهُ الستينيَّات الميلاديَّة من القرنِ الماضي إبَّان حركةِ مَا يُعرفُ بالحقوقِ المدنيَّةِ. فالقرارُ كمَا وصفتهُ القاضيةُ آن دونلي (Ann Donnely) التي أوقفت تنفيذه: «غيرُ قانونيٍّ بالمرَّة، ويؤدِّي إلى أضرارٍ لا يمكنُ بأيِّ طريقةٍ إصلاحُهَا».
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/02/01