الأمر الترامبي.. أخطر من «داعش»
د. جيمس زغبي ..
بجرة قلم، أطلق دونالد ترامب ديناميكية، أخشى أن تكون لها آثار طويلة المدى ومدمرة على بلدي وعلى جاليتي، كتلك التي أعقبت ردة الفعل الخاطئة لإدارة جورج دبليو بوش على هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية.
فالأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بحظر دخول المسلمين من سبع دول شرق أوسطية أدى إلى تعميق الغضب الشعبي من الولايات المتحدة في العالم العربي، وقدّم مكافأة لـ «داعش»، وغذّى المخاوف من الإسلاموفوبيا في الداخل الأميركي، وأسهم في تصعيد التوترات الطائفية داخل المجتمعات العربية.
فحظر دخول المسلمين لن يجعل أميركا أكثر أماناً، والبيانات واضحة. فالمهاجرون من الدول التي وردت في قائمة ترامب لم يشكلوا أي تهديد للولايات المتحدة. ومن شملهم هذا الأمر التنفيذي هم إما طلبة أو أناس يزورون عائلاتهم أو أقاربهم أو رجال أعمال.
وكذلك، فإن اللاجئين من هذه الدول يخضعون لإجراءات صارمة عند قدومهم إلى الولايات المتحدة، مما يؤكد أنهم لا يشكلون خطراً.
وما فعله الأمر التنفيذي هو إلغاء تأشيرات الدخول لحوالي 60 – 100 ألف شخص، كما خلق وضعاً كابوسياً للمئات من الأبرياء الذين تم احتجازهم واستجوابهم في المطارات الأميركية لساعات، وأحياناً، تمت إعادتهم من حيث أتوا. وهذا ما أدى إلى تشتيت شمل بعض العائلات وإلحاق الأضرار بالكثيرين، مما عزز المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
مفارقة صارخة
فبعد الحادي عشر من سبتمبر 2001، وفي مفارقة صارخة مع الرؤية التي كانت سائدة على نطاق واسع بأن «العرب يكرهون قيمنا»، أظهر استطلاع للرأي أجريناه في حينه أن العرب يحترمون الشعب والثقافة والمنتجات والانفتاح والتسامح والديموقراطية في أميركا، أما ما يكرهونه فهو السياسات الأميركية تجاه العالم العربي. فعلى الرغم من حربنا المدمرة في العراق وانحيازنا ضد الفلسطينيين وسياساتنا الفاشلة في المنطقة، ظل لدى العرب أمل أن تنتهج الولايات المتحدة سياسات منسجمة مع قيمها، إلا أن الأمر التنفيذي لترامب وخطابه المناهض للمسلمين أديا إلى تبخر هذا الأمل، فلا بد أن يكون «داعش» سعيداً لذلك.
وادعاء الإدارة الأميركية أن الأمر التنفيذي لا يعني حظرا على المسلمين لا ينطلي على أحد، فاللغة التي يستخدمها أركان إدارة ترامب منقولة حرفيا عن كتاب لهم تاريخ طويل في معاداة المسلمين، وهناك إشاعات بأن الإدارة ستوسع هذه القائمة لتشمل دولا مثل مصر ولبنان وباكستان.
أكذوبة
ومما يزيد الأمور سوءا أن الإدارة قرنت تجميد برنامج اللاجئين بمذكرة قانونية أعطت بموجبها المسيحيين الأولوية ضمن الأقليات المضطهدة مستقبلا. وعلل ذلك بأن المسيحيين في عهد أوباما لم يكن بأمكانهم الدخول إلى الولايات المتحدة، وهذه أكذوبة أطلقها رموز اليمين المتطرف. وفي الواقع، فإن إعداد المهاجرين المسيحيين والمسلمين الذين يدخلون الولايات المتحدة كل عام متساوية تقريباً.
وعلى أي حال، فإن الأفضلية التي منحتها إدارة ترامب للمسيحيين ليس من شأنها سوى تعزيز الفكرة القائلة إن الأمر التنفيذي معادٍ للمسلمين، فضلا عن أسهامه في تصعيد التوترات الطائفية داخل الجالية العربية. ويتعين على العرب الأميركيين الذين ناضلوا لسنوات من اجل التغلب على الانقسامات الدينية، مواجهة تحديات كثيرة من أجل توحيد جاليتهم، خاصة في ظل بعض المواقف المؤيدة للأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب، من قبل بعض المهاجرين من المسيحيين السوريين.
الآثار السلبية لهذا الأمر التنفيذي لن تتوقف، فالانقسامات الحزبية والطائفية والتطرف والضرر الذي لحق بصورة الولايات المتحدة جراء هذا الأمر، ستعمر لسنوات طويلة.. وهكذا، فإن هذه الإدارة تضعنا أمام مخاطر كبيرة، وابعد ما نكون عن الأمن.
وما من شك في أن «داعش» حركة شريرة يجب علينا أن نهزمها، ولكن في الواقع لم يسبق أن شكلت خطرا وجودياً على بلادنا، ولم يكن بوسعها أن تلحق مثل هذا القدر من الأذى للولايات المتحدة وللقيم الأميركية كما فعلت سياسات هذه الإدارة غير المتزنة والخطيرة.
جريدة القبس الكويتية
أضيف بتاريخ :2017/02/07