غِشٌّ يوميٌّ
إبراهيم محمد باداود ..
في اللقاء الذي عُقد نهاية الأسبوع الماضي في مقر الغرفة التجاريَّة الصناعيَّة بجدَّة، أشار معالي وزير التجارة والاستثمار الدكتور ماجد القصبي إلى أنَّ أدويةً، وأطعمةً، وسوائلَ، وكريماتٍ مغشوشةً تدخل المملكة يوميًّا، ويتمُّ تداولها في الأسواق، وأشار إلى أنَّ معظم حالات ضبط المنتجات المغشوشة تنتج عن شكاوى المواطنين، واصفًا حجم البضائع المغشوشة التي تدخل المملكة بالمخيف، وغير الطبيعي، كما أفاد بأنَّه لم يعرف حجم البضائع المغشوشة إلاَّ بعد تعيينه كوزير، فهناك حالات غشٍّ في الداخل، وأخرى قادمة من الخارج بكلِّ المنتجات.
نحن اليوم نعمل على تحسين وضع اقتصادنا الوطني، والتحرُّر من أسر النفط الذي كُنَّا محبوسين فيه منذ عشرات السنين، ولكن في الوقت نفسه يجب علينا أن نعملَ على معالجة اقتصادنا من الأمراض والأوبئة التي أُصيب بها خلال تلك الفترة، وفي مقدِّمتها الغشُّ التجاريُّ، والذي ترك آثارًا سلبيَّةً ساهمت في جعل المستهلك فريسةً لبعض التجار، وبعض العمالة الوافدة، والتي تحتال بالسلع الرديئة، والمغشوشة، والمقلَّدة.
للدولة جهودٌ حثيثةٌ لمحاربة هذه الظاهرة، وذلك من خلال العديد من الجهات الحكوميَّة، وفي مقدمتها وزارة التجارة والاستثمار، والهيئة السعوديَّة للمواصفات والمقاييس، ومصلحة الجمارك، وغيرها من الجهات الأخرى التي تولي عناية كبرى لمكافحة هذه الآفة ومحاربتها، سواء من خلال الأنظمة والتشريعات، أو اللوائح والعقوبات، بما في ذلك التشهير، إضافة إلى تقديم الحوافز للمواطنين للإبلاغ عن تلك المنتجات، إلاَّ أنَّ هذه الجهود لم تتمكَّن حتَّى الآن من كبح جماح ممارسي الغشِّ التجاريِّ، والذين عاثوا فسادًا بالاقتصاد الوطنيِّ، وتلاعبوا بسمعة التاجر السعوديِّ، واستغلُّوا بعض ضعاف النفوس ليُشوِّهوا هويَّة تجَّار الوطن، ويلصقوا بهم جميعًا تُهمة الغشِّ دون أي استثناء.
ذكر نائب رئيس اللجنة الوطنيَّة التجاريَّة العام الماضي -في تصريح له- بأنَّ حجم الغشِّ التجاريِّ بأسواق السعوديَّة يزيد على 20 مليار ريال سنويًّا، كما يحمل مختصون 70% من مسؤوليَّة الغشِّ التجاريِّ إلى ضعف الفحص والرقابة في المنافذ، إضافة إلى غياب الثقافة الاستهلاكيَّة، وعدم وجود قيود واضحة وعقوبات رادعة لترويج السلع المغشوشة، خصوصًا من خلال البوابات الإلكترونيَّة، والشركات الوهميَّة عبر وسائل التَّواصل الاجتماعيَّة، وهذا كله يُشيرُ إلى أنَّ مكافحة الغشِّ لن تأتي من خلال جهود حكوميَّة فقط، بل لابدَّ من مواجهة هذا الداء كفريق عمل مكوَّن من الجهات الحكوميَّة، والمواطنين، وكافة أفراد المجتمع.
ظاهرةُ الغشِّ مثلها مثل العديد من الظواهر الاجتماعيَّة السلبيَّة، والتي تنخرُ في مجتمعنا، وتعيقُ نهضتنا وتقدّمنا، وهي كالسرطان ينتشر في الجسم، ولا ينفع معه المضادات التقليديَّة، بل لابدَّ من حملة وطنيَّة شاملة لمكافحته واستئصاله.
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/02/14