مشاكلنا والتفكير خارج الصندوق
محمد العوفي ..
ورش عمل وعصف ذهني وتفكير خارج الصندوق للقضاء على التستر التجاري، بما يوحي أن التستر التجاري أصبح عصيا على الحلول، وأن تفعيل الأنظمة وتطبيقها لم يعد كافيا للقضاء على التستر، لذا كان البحث عن الحلول من خارج الصندوق هو السبيل الأمثل للقضاء عليه، هذا ما يفهم من تصريح وزير التجارة والاستثمار في ورشة عمل العصف الذهني لمناقشة التستر التجاري.
هنا منعطف جديد يجب التوقف عنده طويلا، قبل الانتقال إلى ما بعد مرحلة العصف الذهني ومخرجات التفكير خارج الصندوق الذي أصبح السمة الجديدة التي نواجه بها مشاكلنا التقليدية والبسيطة، وكأن الحلول الجيدة لا تأتي إلا من خارج الصندوق، حتى أصبح التفكير خارج الصندوق سلاحا سحريا يقدم حلولا شاملة ستقضي على كافة مشاكلنا بما فيها التستر التجاري بين ليلة وضحاها.
لا أحد يشك أن القضاء على التستر التجاري أمر مهم وحيوي لتحسين الاقتصاد وتوليد الوظائف، وأن الصمت حياله لن يأتي بخير لا للعباد ولا للاقتصاد ولا للوطن، وأنه سبب رئيس في ارتفاع حوالات العمالة الوافدة على مدار خمسة عشر عاما الماضية، فبعد أن كانت هذه الحوالات لا تتجاوز 21 مليار ريال في عام 2001، وصلت في 2015 نحو 157 مليار ريال حتى وإن لم يصرح بذلك علنا، فبدون التستر التجاري لا يمكن أن تصل تحويلات الأجانب إلى هذه المبالغ الكبيرة، مهما كان عدد العمالة الوافدة لدينا، لأن معظمهم يعملون في مهن بسيطة لا تتجاوز رواتبهم ألفي ريال، وقد تقل عن هذا المبلغ بكثير في مهن كثيرة.
وبالتالي من الضرورة بمكان إدراك موضع الخلل أولا في تنامي ظاهرة التستر التجاري، فهو نشاط محظور في التشريعات والأنظمة أصلا، وما كان له أن يستشري إلى هذا الحد لولا تواطؤ الكفيل (المواطن) من ناحية، فهو شريك أساسي في تنامي هذا النشاط لأنه استقدم الوافد، وأنجز جميع الإجراءات المتعلقة باستخراج الترخيص والسجل التجاري تمهيدا لتسليمها للعامل مقابل مبلغ محدد شهريا أو نسبة معينة يتقاضاها شهريا، بغض النظر عن حجم دخل المؤسسة أو الشركة، والجانب الآخر في الموضوع يتمثل في صمت الجهات الحكومية وغياب التنسيق بينها حيال تناميها فترة طويلة مع وجود مؤشرات على وجودها، كانتشار المحلات والمغاسل والبقالات وصوالين الحلاقة ومؤسسات المقاولات وغيرها، وتجاورها في كثير من الأحياء حتى وصلت أرقامها خانة الآلاف في الرياض وحدها دون باقي المدن، يضاف إلى ما ذكر عدم إلزام هذه المحلات باستخدام وسائل الدفع الالكتروني وربطها بالحسابات البنكية للكفلاء بما يمكن من مراقبتها وضبط حركة الأموال والتحويلات لغير السعوديين.
وهذا يفسر إلى حد ما لب المشكلة التي يفترض أن تنطلق منها ورشة عمل العصف الذهني التي دعا إليها وزير التجارة والاستثمار لمناقشة التستر التجاري، وشارك فيها مسؤولو الوزارات ذات العلاقة، وتمحورت نقاشات المشاركين فيها حول التشريعات والأنظمة والعقوبات (وهي موجودة ولكنها شبه معطلة)، وتوحيد الجهود بين الجهات الحكومية المعنية (وهو الآخر شبه غائب قبل إنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية)، وجميعها حلول تقليدية بحاجة إلى التفعيل، والتطبيق أكثر أهمية من البحث عن حلول مبتكرة وتفكير خارج الصندوق للقضاء على التستر التجاري.
على أية حال، ما طرحه المناقشون في جلسة العصف الذهني للقضاء على التستر التجاري من أفكار وحلول تعد جيدة وتقليدية وآتية من داخل الصندوق، وهذا يعني أن الأفكار الجيدة والجديدة التي يمكن أن تظهر خلال جلسات ما يسمى بالعصف الذهني ليست بالضرورة أن تكون من خارج الصندوق، فالصندوق لا يزال مليئا بالحلول والأفكار لكن القضية ليست بالفكرة أو الحل المنطقي، القضية الكبرى في الالتزام بتطبيق هذه الحلول التطبيق الصحيح.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/02/14