القِيَم تطبيق لا تصفيق
عائض الردادي ..
ما أكثر ما يتحدث الناس أفرادًا وجماعات عن القيم العليا، وتكلّ ألسنتهم من كثرة تكرارها، وتتغنى وسائل الإعلام بالمثل والقيم، أما المنظمات الإنسانية فقد وضعت مواثيق الحقوق والواجبات للإنسان أيًّا كان عِرْقه أو دينه أو جنسيته، وعقدت لذلك الاجتماعات وأصدرت القرارات، ولكن الكتابة شيء والتطبيق شيء آخر، والكلام عنها في وسائل الإعلام شيء وتطبيقها شيء آخر.
ما أسهل الكلام عن الحقوق والأخلاق وما أصعب تطبيقها ممن يتكلم عنها أو يعمل على وضع قوانين لها، فالقيم والحقوق تطبيق لا تنميق، والأمثلة أكثر من أن تحصى في عالمنا الحاضر: أفرادًا ومنظمات ودولًا، غير أن الفعل يخالف العمل، وكلام القاعات ينفيه الواقع على الساحات، ها هو شعب فلسطين يقتل ويشرد ويفرق شمله، ويعيش في مخيمات منذ 69 عامًا، وقد صدرت عشرات القرارات بشأنه، كلها من حيث النص وفق القيم والحقوق ولكنها في الواقع لا وجود لها، فإسرائيل تقتل وتحبس وتُيتِّم وتُرمِّل وتقصف المدنيين بأسهل الذرائع، وقد وجد من يذرف الدمع على سفَّاك الدماء لا على الدماء الحمراء للأطفال والنساء والأبرياء.
وها هو شعب الروهينجا في بورما يقتل في أرضه ويحصد حصدًا لا لذنب فعله بل من أجل دينه مع أن القيم تنادي أن الوطن يسع الجميع ولكل منهم دينه، ومن يسفك دمه حكومته، والعالم المتحضر لا يحرّك ساكنًا لانتهاك حق شعب في الحياة وحرية الدين.
وفي بلدان الشرق بُذرت بذرة الفتنة بين الطوائف وأُشعلت الحروب، والعالم لا يقول للقاتل شيئًا بل يدعم بالسلاح والمال كل طائفة ضد الأخرى لمنافعه أما القيم التي يتشدق بها فهي قيم ما لم تتعارض مع المصالح.
أما المال فهناك من يبذِّر الملايين في حفلة واحدة وفي مدينته، بل بالقرب من مكان حفله مَن يتضوّر جوعًا، فلا يلتفت إليه حتى ببقايا طعامه، بل في أسرته القريبة من هو في أمس الحاجة لغذاء أو كساء أو سكن يؤويه، فيبذِّر المال في سهرة تتناقل تبذيرها وسائل الإعلام: طعامًا ولباسًا، وينتشي بذلك، وقريبه يتألم جوعًا أو من لسعات البرد أو الحر.
شتان بين من يتباهى بماله أو سكنه، ومن ينفق المال على فقير أو طالب علم، أو علاج مريض، بين من يكدس المال ويبني العمارات، ومن يملأ البطون الجائعة ويكسو الأجساد العارية، أحدهم القيمُ عنده تطبيق والآخر تصفيق. إن القيم والأخلاق ليست كلامًا يثرثر به اللسان أو يوزع في بيان بل في التطبيق، هل الكلام عن القيم نفاق أو منافع في عالمنا؟ لا أكاد أشك في ذلك.
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/02/20