الكارثة التي تنقذ حياتك
فهد عامر الأحمدي ..
قرأت عن كارثة التيتانك في سن مبكرة في حياتي.. لم يلفت نظري عدد الضحايا (خصوصا أننا نملك أضعافهم في عالمنا العربي) بل موظف الإرسال الذي غرق مع السفينة.. فحين أوشكت التيتانك على الغرق لم يحاول النجاة بنفسه بل ظل يبعث نداءات الاستغاثة حتى غرق مع السفينة.. اعتبرته مثالا للتضحية والإخلاص والوفاء للمهنة، وبفضل إخلاصه التقطت إشارته سفينة تدعى كارباثيا أنقذت معظم من نزلوا في القوارب..
بعد هذه الكارثة صدر قانون يلزم عمال اللاسلكي بعدم مغادرة أي سفينة توشك على الغرق إلا بعد مغادرة آخر راكب فيها.. بل كانت كارثة التيتانك سببا في عدم تكرارها بفضل أنظمة السلامة التي سنت بعدها (أبرزها بناء سفن الركاب بجدارين متوازيين، وتوفير قوارب نجاة لجميع المسافرين، وتوزيع تقرير يومي عن تحركات الجبال الجليدية)..
والمبدأ نفسه يطبق اليوم مع الكوارث الجوية حيث تحرص شركات الطيران على معرفة الأسباب مهما كانت غامضة أو معقدة.. وحين تكتشف السبب تحذر منه شركات الطيران الأخرى وتراعي تصنيعه في طائراتها الجديدة (وبهذه الطريقة أصبح الطيران أأمن وسائل السفر خلال التاريخ كله)!!
وهذا المبدأ العظيم (التعلم من الكارثة ثم تعميم الحل) يمكن ملاحظته وتطبيقه حتى على مستوى الأفراد والأمم:
فهناك أمم تتعلم من أخطائها وتناقشها بحرية وتعممها بلا تردد (كي لا تكررها مستقبلا).. خذ كمثال ألمانيا واليابان اللتين تبنتا في أربعينيات القرن الماضي سياسة استعمارية فظيعة شملت معسكرات إبادة جماعية (للصينيين والكوريين في شرق آسيا، ولليهود والغجر في شرق أوروبا).. تطلب الأمر 44 مليون قتيل وقنبلتين ذريتين كي تعودا لرشدهما وتنزع عنهما ثياب الطغيان والأيدلوجيا العنيفة.. واليوم تعلمتا الدرس جيدا وتحولتا لأكثر الدول تحضرا ومدنية، بل وسنتا قوانين تمنع وصول العسكر والمؤدلجين للسلطة، وعوضت احتلالهما العسكري بصادرات تقنية احتلت بيوت العالم..
وفي المقابل مازلنا نحن نكرر أخطاءنا ونزاعاتنا وحروبنا الطائفية منذ موقعة الجمل وحتى دمار حلب.. ندعي أننا ندرس التاريخ (كي نتعظ من أخطاء الماضي) ولكننا نكذب على أنفسنا لأننا نكتبه بشكل مثالي ونعلمه أطفالنا بشكل أسطوري يستحيل تطبيقه على أرض الواقع!
هذا بخصوص الأمم؛ أما بخصوص الأفراد فاسمح لي أن أحيلك إلى ثلاثة مبادئ (ناقشتها في كتاب نظرية الفستق) مفادها:
أنك لست ذكيا في حال كررت أخطاء الماضي أو لدغت من ذات الجحر "مرتين"..
ولست ذكيا في حال كررت نفس الأخطاء المالية السابقة (كمعاودة التقسيط، وشراء الأسهم الخاسرة)..
ولست ذكيا في حال عجزت عن جدولة مهامك وتنويع حلولك وشعورك بأنك مشغول على الدوام..
فهذه كلها تدعى فوضى وعدم امتلاكك خطة عمل "أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"!!
الكارثة التي تنقذ حياتك، هي التي تتعلم منها وتتحاشى تكرارها ويتعلم منها الجميع.. لا بأس في أن تخطئ مرة.. وسنتعلم منك حين تخطئ مرتين.. ولكن حين تكرر الخطأ (لثالث مرة) لا يسمى هذا خطأ، بل خيار شخصي تتحمل مسؤوليته لوحدك..
جريدة الرياض
أضيف بتاريخ :2017/02/21