صحة المواطن .. بين التأمين والمستشفيات الخاصة
علي الشدي ..
قال لي والألم يقطر من كلماته: (إذا أردت أن تدعو على شخص هذه الأيام فقل له: عساك تمرض ولا عندك تأمين) قلت: إنها فعلا دعوة عصرية مبتكرة ولكن ما المناسبة؟ وانطلق يسرد معاناته مع الركض بحثا عن العلاج قائلا إنه شخص متقاعد، والمتقاعد في هذا الزمان معاقب على خدماته الطويلة لخدمة الوطن في أي مجال من المجالات، فالراتب التقاعدي لا يشكل إلا نسبة ضئيلة جدا من دخله السابق بعد حذف البدلات وحسابه كنسبة من الراتب الأساسي فقط، ولا أحد يقرضه حتى البنوك التجارية، ولا تأمين طبيا له من الجهة التي أفنى شبابه في خدمتها. واحتاج إلى علاج فاتجه إلى المستشفيات الحكومية فإذا المواعيد بعد شهرين أو ثلاثة والمرض لا يعرف الانتظار الطويل. وخلال رحلة البحث عن العلاج كان يمر بالعيادات الأولية ذات المباني الجميلة ولكنها كفؤاد أم موسى. ولم تفلح وعود جميع الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الصحة في تحويلها إلى حلقة مهمة ضمن المنظومة الصحية لخدمة المواطن.
ويتابع المواطن المتألم حديثه بالقول: واتجهت بعد ذلك إلى المستشفيات الخاصة فإذا الأسعار العالية حتى إيجار الغرف تضاهي أو تزيد على فنادق الخمسة نجوم، وإن أظهرت استغرابا قيل لك ولماذا لا تحصل على بطاقة تأمين من نوع (VIP) لتحل مشكلتك؟ وهنا وقعت صحة المواطن بين التأمين والمستشفيات الخاصة وأصبحت خاضعة لقانون العرض والطلب الذي يمكن أن يخضع له كل شيء إلا صحة الإنسان. فالمستشفيات الخاصة لديها طلب كبير من شركات التأمين التي تزيد أسعارها بين الحين والآخر دون إبداء الأسباب. والمستشفيات أيضا ترفع تكاليفها بسبب فخامة البناء والرخام ولا يستطيع المواطن العادي أن يتحمل أسعار التأمين وتكاليف المستشفيات الخاصة، وأقول المواطن لأن غير المواطنين تتم تغطيتهم بالتأمين الإلزامي حسب نظام العمل.
وأمام مرافعة هذا المواطن الشاكي بدأت أفكر في البحث عن الحلول التي ربما تهدئ من روعه وتجبر خاطره على الأقل، وهذا أضعف الإيمان الذي يمكن أن يأخذ به كاتب الرأي إذا استمع إلى قصة محزنة من هذا النوع. ووجدت أن الرؤية الجديدة التي تعد بمزيد من تحسين الخدمات للمواطن يجب أن تضع في رأس القائمة (الخدمات الطبية) فهي التي لا تحتمل المكابرة بأنها في أقل مستوياتها كما ونوعا. وهذا الأمر كما يقول المختصون يتطلب تدخلا قويا لإيجاد تناسق وتوازن بين ما تقدمه الدولة وما يقدمه القطاع الخاص، بحيث يجد المواطن خدمات تقدم له من القطاعين بشكل متكامل وبتكلفة معقولة يستطيع المواطن الذي لا يملك بطاقة تأمين تحملها، خاصة المتقاعدين الذين لا بد من نظرة خاصة لأوضاعهم، بحيث يمكنهم الحصول عليها وفق تأمين خاص يختم به المتقاعد حياته.
وأخيرا، من حق المستشفيات الخاصة وشركات التأمين أن تربح، ولكن في حدود معقولة، بحيث تخضع لرقابة تقوم على حساب التكاليف الفعلية غير المبالغ فيها سواء من حيث فخامة المباني والمصروفات الأخرى، مع إضافة النسبة المتعارف عليها عالميا كربح للمستثمر. وكما نحدد ونراقب أسعار عديد من السلع والمواد فإن الخدمة الطبية أولى بالتحديد والمراقبة فصحة الإنسان هي الأهم.
جريدة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/02/26