آخر نبضات السياسة في البحرين
قاسم حسين ..
في طريقي إلى المنطقة الدبلوماسية صباح الجمعة الماضي (24 فبراير/ شباط 2017)، كنت أشعر بأني ذاهبٌ إلى آخر ما تبقى من عروقٍ تنبض من المجتمع المدني والجمعيات السياسية في البحرين.
في ذلك الصباح، نظّم «المنبر التقدمي» في فندق «كراون بلازا» بالمنامة، «المنتدى الفكري السنوي الثالث»، تحت عنوان: «البنية الاجتماعية الطبقية في مجتمعات الخليج العربي... السمات والتحولات»، حيث يتخذ المنتدى منحىً شبه أكاديمي. وقد تضمن جلستين: الأولى عن «مسألة الطبقة وفي مساءَلَة الوسطى»، للباحث العماني الشاب سعيد سلطان الهاشمي، والثانية للباحث الكويتي الشاب يوسف السنافي، بعنوان «الطبقة العاملة في الكويت... السمات والتحولات». وخلاصة الورقتين أن المشاكل والظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية نفسها تتكرّر في دولنا الخليجية.
في كلمته الافتتاحية، أشار الأمين العام لجمعية المنبر التقدمي خليل يوسف، إلى الرغبة في تكريس المنتدى كتقليد سنوي ثابت، لتحليل وتشخيص الظواهر والقضايا المرتبطة بنضال الحركة الوطنية في البحرين والخليج، حيث «التركيبة الطبقية في مجتمعاتنا الخليجية تتشابه إلى حد كبير»، لافتاً إلى الأوضاع الانتقالية التي تمر بها الطبقة الوسطى التي تعيش أوضاعاً انتقالية صعبة، تمس في الصميم أحوالها وتؤثر على استقرارها.
وأشار يوسف إلى أوضاع الطبقة العاملة وما تمر به من تحولات، والأعداد الهائلة للعمالة الأجنبية، واستشراء نمط الحياة الاستهلاكية، ومظاهر الاستبداد والتفرد والجشع والفساد، وتفاقم أوضاع أعدادٍ متزايدةٍ ممن يعانون الفقر والعوز، في إطار معقّد من مأسسة الفساد والتخلف، وغياب المشاركة الشعبية في رسم السياسات.
الباحث العماني استهل ورقته بتحية شعب البحرين وما يبديه من حبٍّ للحياة وقدرةٍ على التغلب على الصعوبات، ثم بدأ بطرق موضوع الطبقة أو «الفئة الوسطى»، والتحوّلات في المجتمع العماني، وعلى رغم حقيقة ما أحرزته عمان من تقدم (من بين 12 دولة في العالم سجلت نسبة نمو 6 في المئة)، إلا أن كل ذلك جاء من باب واحد: «النفط».
عمان تواجه مشاكل عدة، من بينها الهجرة إلى العاصمة، حيث يسكن مسقط 1.5 مليون شخص، من أصل 4 ملايين نسمة. مع الاعتماد على العمل في القطاع العام (85 في المئة عمانيون)، فبعد أحداث 2011، وفتح الحكومة المجال للتوظيف لحلحلة الوضع السياسي، استقال 80 ألف موظف من القطاع الخاص للعمل بالقطاع العام، على رغم ضآلة المرتبات. وهو الأمر الذي أدى إلى إغلاق عدد من المصانع، وتأثر إنتاج عدد من المزارع العمانية. أما في القطاع الخاص، فلم يتجاوز عدد العمانيين فيه 210 آلاف، من أصل مليوني عامل أجنبي. والمجتمع الذي كان يفخر بالمهن وصناعة النسيج وزراعة النخيل، ورثها عنه الأجانب الآسيويون.
الهاشمي تحدّث بالأرقام، ليعطي صورةً أكثر واقعية للوضع، فعمان سجّلت عجزاً في موازنتها هذا العام بمقدار 4.5 مليارات ريال، حيث يذهب أكثره لرواتب الموظفين، بينما نسبة الإنفاق على الصحة لا تتجاوز 2 في المئة، والتعليم 4 في المئة، في ظل وجود مليونين من الأطفال والشباب حتى سن الـ 18، وهي مشكلةٌ ستتضح آثارها مستقبلاً. كما أن «الفئة الوسطى» غير المتجانسة في تركيبتها، تتعرض للتآكل، فهي غارقة في الاستهلاك، حيث وصل حجم القروض الشخصية إلى 7 مليارات ريال، مع بروز ظواهر استهلاكية كشراء أرقام السيارات والهواتف، وشراء الأراضي والمضاربات لتحقيق أرباح سريعة، و «هذه من نقم النفط» كما قال.
في تعقيبه على الهاشمي، قال أستاذ علم الاجتماع باقر النجار، إن «الوسطى» أكبر من أن تكون «فئة» وأقرب إلى أن تكون «طبقة»، وهي «تتقلص ولا تتآكل». وقال إن اعتماد دول الخليج على النفط والاقتصاد الريعي أحدث تحولات كبيرة على النظام الاقتصادي الذي أعاد تشكيل البناء الطبقي القائم. وأكد أن هذه الدول تقوم على قاعدة عريضة من الطبقة الوسطى، أتاح لها التعليم وقدراتها العلمية والفكرية أن تلعب أدواراً مهمة في الدولة والمجتمع، كما أن هذه الطبقة «جاءت نتاجاً لسياسات الدول، وساهمت في إحداث تغيرات مهمة على المستوى الاجتماعي والسياسي».
وجهتا نظرٍ مختلفتان، حول دور وواقع «الطبقة الوسطى»، التي بدأت تدفع ثمن مطالبتها بالمشاركة في القرار وتحقيق العدالة والمساواة ودولة القانون.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/02/27