القطاع الخاص.. أي رسالة نبلغها لشبابنا؟
عبدالله الزازان ..
إذا كانت وطنية القطاع الخاص لا تتعدى حد الصفر، فمعنى ذلك أن هنالك خللاً في ميراثنا التربوي والاجتماعي، وخللاً في برامجنا التعليمية والثقافية تجب مراجعته..
ما زال أسلوب الحوارات المفتوحة مع القطاع الخاص مستمرا فالأسلوب الذي ينتهجه القطاع الخاص في مسألة السعودة لا يحتاج إلى منظار خاص لرؤيته، لقد صار عادياً الآن أن يستخدم القطاع الخاص مهاراته في المناورة وتعقيد المسائل الواضحة وإثارة دخان كثيف حولها بدعوى البحث عن حلول.
قبل سنوات كشف برنامج "سكستي منت" (ستون دقيقة) وهو برنامج تلفزوني يذاع مساء كل أحد من محطة سي بي إس الأميركية، ويحظى بشعبية واسعة، وغالباً ما يعرض هذا البرنامج قضايا تثير جدلاً على مستوى أميركا، كشف أن أحد تجار النسيج فر بمصنعه إلى بنجلاديش. وقد سجلت كاميرات البرنامج السرية موقع المصنع الذي يقع وسط الأحراش ومكائن النسيج والعاملات اللاتي جيئ بهن من الأرياف والقرى البنجلاديشية، عند ذلك هب الضمير الأميركي يندب حظ الشباب العاطلين عن العمل. الرجل حينما واجهته كاميرات التلفزيون حاول أن يرواغ ويتذرع ببعض الحيل.
هذا الفعل يحدث عندنا في قطاعنا الخاص ولكن بدرجات مختلفة.. الفرق بين تاجر النسيج الأميركي وبين الغالبية العظمى في قطاعنا الخاص أن ذلك التاجر الأميركي على الأقل كان أكثر استحياء، فالرجل حين أراد أن يعتمد في مصنعه على العمالة الأجنبية الرخيصة غادر موطنه حتى لا يصفع بنظرات مواطنيه.
والسؤال الذي طرأ في خاطري: هل الشباب السعودي إلى هذه الدرجة من الرداءة المهنية في سوق العمل؟ ولكن الغالب في مؤسسات القطاع الخاص لا تعتمد المهنية كبرنامج عمل، حتى لو كانت المهنية شرطاً ثابتاً، فإن هناك من الشباب السعودي من يستطيع تشغيل وإدارة الورش والمصانع، ثم إنه يمكن أن نخلق كوادر مدربة وعاملة في برامج قصيرة المدد.
القطاع الخاص متهم بأنه يمارس عقوقاً لا مثيل له في حق شباب الوطن ويمارس أنانية لا مثيل لها.
فإذا كانت الأرباح السنوية للقطاع الخاص تقاس بالبلايين، هذه الأرباح السنوية لم تأت بها العمالة الرخيصة، وإنما جاءت بفضل الامتيازات والدعم السخي الذي تقدمه الدولة، وإذا أخذنا الاستثمار الزراعي أو الاستثمار الصناعي كنموذج فمنذ بداية السبعينيات والدولة تقدم دعماً سخياً لا مثيل له في العالم. هذا الدعم يأتي على شكل قروض من غير فوائد وعلى شكل مشروعات واسعة توزع مجاناً، ويأتي على شكل معدات صناعية وزراعية وأراض تمنح بالمجان وتسويق وشراء للمنتجات بأضعاف السعر العالمي، ولا ضرائب على السلع المنتجة. هذه الامتيازات يجب أن تخلق في قطاعنا الخاص روح المواطنة وأن تنظر لشباب الوطن بنفس النظرة الحانية التي تجدها من الدولة.
وإذا كانت وطنية القطاع الخاص لا تتعدى حد الصفر، فمعنى ذلك أن هنالك خللاً في ميراثنا التربوي والاجتماعي، وخللاً في برامجنا التعليمية والثقافية تجب مراجعته.
ما قيمة المصنع الذي يقام على أرض الوطن وجل العاملين فيه من الجنسيات المختلفة؟
هل من أجل أن يقال عنا بأننا بلد صناعي، وهذه الصناعات لا تدار من شباب الوطن؟
الوطنية "حشد لطاقات أبناء الوطن نحو المزيد من الفعل والمزيد من العطاء، تطلع مشروع نحو غدٍ مجيد، تطلع نحو مزيد من التنمية" وعندما نتحدث عن التنمية فنحن نعني بها فعلاً ينتظم جميع الأصعدة... المصنع الذي يقوم مظهر من مظاهر التنمية، ولكن حقيقة ذلك المظهر تتبدى في الخيار الحضاري الذي يلتزم الاتجاه نحو الصناعة بوعي وعلم لتحويل الثقل الاجتماعي نحو حقائق الغد. والمدرسة التي تفتح مظهر آخر من مظاهر التنمية لتتبدى حقيقة في عين الخيار الحضاري الذي يؤمن بالعلم طريقاً ووسيلة وغاية ومكوناً من مكونات الغد، تغور جذوره بعيداً في ثقافة الأمة وروحها.
كل ذلك وأكثر منه، المستشفى، ملعب الرياضة، النهضة، التكنولوجية، تطور الاتصال، المغامرة في عالم الكمبيوتر، الآبار التي تروي عطش الصحراء التنمية الاقتصادية، الاجتماعية، والعقلية، النفسية وهذه المظاهر لا تبنى بالسواعد البنجلاديشية أو الهندية أو الفلبينية أو الأوروبية أو الأميركية وإنما بسواعد وطاقات شباب الوطن.
وإذا كان القطاع الخاص يتذرع بالعمالة الرخيصة فإنه في نفس الوقت يجلب الأجور المرتفعة من البلاد البعيدة.. وإذا أخذنا هذه الذريعة على علاتها فإن الإدارات المتوسطة والعليا تبنى على الكفاءات التي يؤتى بها من خارج الوطن.
والسؤال الحاضر دائماً: ما هي القاعدة التي يؤسس عليها القطاع الخاص فلسفته التوظيفية؟ أو بصورة أدق ما هي إستراتيجية القطاع الخاص التوظيفية؟ القاعدة في تصوري، هي ألا يكون هنالك قاعدة، والإستراتيجية هي ألا يكون هناك إستراتيجية رغم الحيل المتكررة التي يلجأ إليها القطاع الخاص محاولاً سفح شخصية الشباب السعودي والتي تظهر للرأي العام على شكل فقاعات الشباب السعودي في رؤية القطاع الخاص.. ميال للكسل يركن للراحة غير جاد، يفكر بطريقة سلبية وبذكاء غير إيجابي.
لذلك فإن منظومة القطاع الخاص تأخذ قدراً كبيراً في اعتبارات التنمية المسؤولة، ولولا هذه الاعتبارات لما كان للقطاع الخاص أثر يذكر في الحياة الاقتصادية السعودية، وهي نفس التجربة التي أخذت بها اليابان حين أوجدت الحكومة اليابانية وزارات وإدارات تنوب عن القطاع الخاص في التفاوض الدولي والتخطيط الإستراتيجي وتفعيل هذا القطاع في المجتمع الياباني، ومن ثم المجتمع العالمي، ولذلك فإن تجربة الدولة المثالية في المدينتين الصناعيتين الجبيل وينبع سواء في تخريج وتأهيل الكوادر السعودية أو إعطاء القطاع الخاص فرص الاستثمار يجب أن تطبق في الشركات الكبرى، وذلك بإلزام تلك الشركات بإيجاد برامج لتدريب الشباب السعودي على العمل فيها.
جريدة الرياض
أضيف بتاريخ :2017/03/10