السر في تضخم تكاليف النقل
سعود بن هاشم جليدان ..
ترتبط معدلات التضخم بالسياسات المالية والنقدية، ولهذا تكتسب دقة قياسها أهمية بالغة، فعند ارتفاع معدلات التضخم تهرع الدول لتبني سياسات التشدد المالي والنقدي، بينما يتم تبني سياسات التوسع المالي والتيسير النقدي عند الخوف من انكماش الاقتصاد والأسعار. وهناك عدة مؤشرات للتضخم، ولكن يعد مؤشر تكاليف المعيشة المؤشر الأكثر أهمية بين تلك المؤشرات. وتشير بيانات الرقم القياسي لتكاليف المعيشة في المملكة إلى حدوث تراجع في الأسعار خلال الأشهر الستة الأخيرة. في المقابل قد يتبادر إلى أذهان كثيرين شكوك حول دقة بيانات الرقم القياسي لتكاليف المعيشة ومدى إمكانية عكسها لتحركات الأسعار الفعلية.
يدخل في تركيبة الرقم القياسي لتكاليف المعيشة 12 قسما رئيسا، وتتكون الأقسام من مجموعات تنقسم بدورها إلى فصول، وتتكون الفصول من بنود متعددة تقاس أسعارها بشكل دوري. وتظهر بيانات الهيئة العامة للإحصاء الأرقام القياسية وتغيراتها للأقسام والمجموعات والفصول ولكنها لا تظهر ما يخص البنود. ويعتبر قسم النقل من الأقسام الرئيسة، حيث يشكل 10.4 في المائة من الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. وقد أظهرت بيانات الهيئة العامة للإحصاء تراجع تكاليف النقل السنوية لشهر يناير 2017 بنسبة 3.1 في المائة. وكان تراجع أسعار السيارات بنسبة 8.6 في المائة وتراجع قطع غيار معدات النقل الشخصية بنسبة 7.3 في المائة السببين الرئيسين وراء تراجع تكاليف هذه المجموعة خلال العام المنتهي بشهر يناير 2017. ويبدو أن هناك معضلة بخصوص قياس تغيرات أسعار السيارات وقطع غيارها. وللتأكد من دقة قياس أسعار السيارات يمكن النظر إلى قيمة الرقم القياسي على مدى فترة زمنية طويلة، حيث تتراكم أخطاء قياس الأسعار - في حالة حدوثها - وتبدو أكثر وضوحا. وتشير بيانات الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة إلى أن قيمة تكاليف السيارة في يناير 2017 تقل عن مستواها في عام 2007 بنحو 9.6 في المائة. ولو عدنا للرقم القياسي لعام 2007 واستخدمنا سنة الأساس القديمة 1999 لوجدنا أن تكاليف السيارة للمستهلك هبطت بنحو 14.1 في المائة في عام 2007 مقارنةً بسنة الأساس القديمة 1999، وهو ما يعني أن تكاليف السيارة قد هبطت خلال الـ 18 عاما الماضية بنسبة تتجاوز 20 في المائة. ولا يبدو هذا الأمر مقبولا من الناحية العملية المشاهدة، حيث جابه الجميع ارتفاعا كبيرا في أسعار السيارات وقطع غيارها خلال الـ 18 عاما الأخيرة. صحيح أن هناك بعض التحسينات والميزات التقنية التي تضاف إلى السيارات بشكل دوري، ولكن هذه الميزات لا تبرر إلغاء الزيادات الفعلية التي يواجهها الجمهور في أسعار السيارات وتحويلها إلى تراجع كبير. ويبدو أن القائمين على الرقم القياسي لتكاليف المعيشة يبالغون في إدخال تأثير التحسينات في تغيرات أسعار السيارات. ويشكك الكثير في جدوى خفض زيادة أسعار السيارات مقابل التحسينات التي تشهدها السيارات الجديدة، حيث يرون أن السيارات القديمة أكثر جودة في كثير من النواحي من السيارات الجديدة.
لا يظهر في تكاليف قسم النقل بعض المجموعات والبنود التي ينبغي أن تكون ضمن هذه المجموعة، وأبرزها تكاليف التأمين على المركبات، وتكاليف المخالفات والرسوم المرورية، وتكاليف سائقي الأسر. وتظهر تكاليف التأمين على المركبات في قسم آخر هو قسم السلع والخدمات المتنوعة، بدلا من إظهارها في قسم النقل. وقد ارتفعت تكاليف التأمين الإجباري بنحو أربعة أضعاف منذ فرضه قبل عدة سنوات، ومع هذا يظهر الرقم القياسي ارتفاعا بنسبة 126.4 في المائة فقط في تكاليف التأمين على المركبات. إضافة إلى ذلك لا تظهر أي أرقام قياسية لتكاليف الرسوم والمخالفات التي فرض الكثير منها في السنوات الأخيرة، وتم تفعيلها بشكل أقوى، كما تم رفع عديد منها خلال الفترة الأخيرة. وتكاليف الرسوم والغرامات جزء من تكاليف المعيشة، تخرج من جيوب المستهلكين، وتؤثر في ميزانياتهم، ويجب أن يؤخذ اعتبارها في الرقم القياسي لتكاليف المعيشة. لا تظهر في قسم النقل أيضا تكاليف استقدام وتشغيل سائقي الأسر، وتمثل هذه التكاليف جزءًا لا يستهان به من ميزانية كثير من الأسر. وقد ارتفعت تكاليف سائقي الأسر عبر السنوات وأسهمت في رفع تكاليف معيشة الأسر المستعينة بهم. ولا تنشر الهيئة العامة للإحصاء الأرقام القياسية للبنود، ولهذا يصعب تحديد ما إذا كانت تكاليف النقل المدرسي مدرجة أم لا في بيانات الأسعار.
لو تم تصحيح الأرقام القياسية لتكاليف السيارات وقطع غيارها، وكذلك تضمين تكاليف التأمين على المركبات، وتكاليف المخالفات والرسوم المرورية، وتكاليف السائقين في قسم النقل لارتفعت مساهمته في الرقم القياسي العام لتكاليف المعيشة، ولارتفعت تكاليفه بقوة أكثر مما يظهر حاليا. وستقود التعديلات المقترحة على تغيرات أسعار قسم النقل - في حالة تبنيها - إلى رفع الثقة في هذه البيانات وزيادة دقتها في عكس تغيرات الأسعار على أرض الواقع. وقد تقود أيضا إلى اختفاء تراجع الأسعار خلال الأشهر الستة الأخيرة أو على الأقل خفضها، الأمر الذي سيخفف من المخاوف حول انكماش الأسعار والاقتصاد.
جريدة الاقتصادية
أضيف بتاريخ :2017/03/12