عن العنف ... نقاط على الحروف
عادل السعيد ..
لا شك أن حوادث العنف الأخيرة والاختطاف في مجتمعنا الحبيب رمت بظلالها الكئيبة والمرعبة على أغلبنا ، وجعلت الخوف يتملكنا جراء تفكيرنا بما تخبئه الأيام لنا. وذلك لعلمنا بأن مآلات العنف أياً كان فاعلها ستحدث شرخاً اجتماعياً كبيراً، وستدخلنا في متاهات جهنمية عويصة لن تبقي ولن تذر.
لقد طالعت التعليقات التي أُطلقت على آثر جريمة الاعتداء على المهندس نبيه إبراهيم " عافاه الله " فرأيتها للأسف الشديد موغلة في صب الزيت على النار ، وكأن أصحابها لم يتعلموا من الدرس ولم يفطنوا إلى العلة والمرض!
تعالت الكثير من الأصوات في الآونة الأخيرة مطالبة السلطة بوضع حد للانفلات الأمني الذي يقوم به المسلحين أو الإرهابيين كما يحلو للبعض، لأنهم بحسب تلك الأصوات، هم من يقفوا خلف جرائم الخطف واستهداف الجنود وبعض الشخصيات بدون ذكر أية أدلة قاطعة ، كما أن بعضهم ذهب بها عريضة بتحميله جميع أفراد المجتمع مسؤولية استنكار العنف ، وعلاوة على ذلك اتهم بعضهم الصامتين بالمشاركة في انتشار رقعة العنف! ولسان حالهم إما ترددون ما تقوله السلطة معنا وتهزون رؤوسكم كالبهائم حتى لو كُنتُم غير مقتنعين، وإلا فأنتم تتحملون مسؤولية انتشار العنف! في مشهد اعتبره البعض وكأنه محاولة مقصودة لزج أكبر عدد من الشخصيات والأفراد في حفلة التطبيل للسلطة من أجل أن تضيع الدماء التي ستسفك بين الناس ، ولا يكون أحد مستثنى من هذا العار!
أقول : هذه المزايدات لا يظن عاقل بأنها ستصب في مصلحة وأد الفتنة وإنهاء حالة العنف. حتى مطلقيها يعلمون بأنها لن تنهي العنف، ولكن شاؤوا أم أبوا كلامهم هذا ومزايداتهم تعطي المجال إلى السلطة لقمع الساكتين تحت هذه الحجة العقيمة التي يتشدقون بها مع علمهم ببطلانها .
الجميع يعلم بأن سكوت الأصوات الوطنية الصادقة والمخلصة في طول البلاد وعرضها يرجع إلى غياب الحرية في البلاد ، ولعلمهم بأن السلطة تريد منهم أن يوافقوها بالكامل حتى لو فعلت بالمجتمع الأفاعيل ، ولن تقبل ولن تسمع منهم أي كلام يدينها ويحملها المسؤولية ، بل أنها من المرجح أن تستخدمه ضدهم بعد اعتقالهم ، وحسبنا القامات الوطنية المخلصة التي تقبع في السجون شاهد على عداوة السلطة لأهل الحكمة والإخلاص، كالشيخ العامر، والشيخ الراضي ، والشيخ الحبيب، والكتاب ، كالشعلة ، والخويلدي، والماجد ، وغيرهم العشرات من أصحاب الرأي. كما لا يمكن أن ننسى إعدامها للعبد الصالح داعية السلم والحريّة والحقوق الشيخ نمر النمر، والشبان الثلاثة" رضوان الله عليهم" ظلماً بعد فبركة تهم باطل عليهم.
بالطبع كلامي هذا ليس في صدد الدفاع عن أحد ، ولكن الاحتمالات كثيرة. وفي عالم الجريمة ، أعداء الضحية والمستفيدين من الاعتداء كلهم في دائرة الاتهام، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته. والإدانة لا تكون بالظنون والتخرصات ، وإنما بالأدلة القاطعة فقط فهذه دماء وليست سلق بيض أيها السادة! قال تعالى :( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ). سورة يونس 366.
وحتى إذا سلمنا جدلاً بأن شخصاً أو مجموعة من الأشخاص هم من يقومون بهذه العمليات الإجرامية . السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد: كيف وصلنا إلى هذه المرحلة الخطيرة؟
لا يخفى على أحد بأن الكثير من الشخصيات نصحت السلطة منذ بداية سفكها للدماء بأن هذه السياسة ستجر الويلات على المنطقة، وقد تتسبب بانطلاق العنف ، ومن ثم سينفلت من عقاله، وحينها لن يستطيع أحد لجمه مهما كان وزنه الاجتماعي والديني، وهناك من أوصل هذا الكلام لجهات لها نفوذها الكبير قبل فترة من تنفيذ الإعدامات في 2 يناير 2016 .
قد يقول قائل : السياسة هي فن الممكن ، والأوضاع في البلد تحتم على البعض الدخول في هذه الأمور حتى وأن كان البعض يعتبره وقوفا مع السلطة، فهذا هو الممكن حاليا. أقول: تغليف المواقف السيئة التي تضلل الرأي العام وتحول الضحايا إلى مجرمين ، والمجرمين إلى أبطال وشرفاء ستبقى قبيحة حتى لو كانت مختبئة تحت أي شعار، فالحمار يبقى حماراً حتى لو وضعنا عليه سرجاً من ذهب!
زبدة القول : السلطة هي مصدر العنف وأصله، وليس بغريب أن تكون هي التي تقف خلف هذه الجرائم أو بعضها بشكل أو بأخر ، فعلاقاتها بالمجرمين من كافة الأصناف ليست بخافية، ومن مصلحتها اختلاق فتنة في المجتمع. كما أن السلطة أيضا هي من تمتلك مفتاح الحل ، وهو بكل تأكيد لا يكون عن طريق سفك مزيد من الدماء والتوغل بشكل أكبر في الخيار الأمني، وإنما يكون بالرجوع إلى العقل والنظر والتأمل في الأسباب التي حرفت الأمور عن مسارها.
أضيف بتاريخ :2017/03/13