«الحكومة المصغرة»
هاني الفردان ..
منذ الخميس (17 سبتمبر/ أيلول 2015) الذي أعلن فيه تشكيل «حكومة مُصغَّرة تُعنى بحلِّ المشكلات المالية وبالسرعة الممكنة»، وحتى هذا اليوم نترقب تنفيذ ذلك التوجيه الذي صدر إثر تقرير «عن تأثر الأوضاع المالية في مملكة البحرين بسبب تدنّي أسعار النفط والالتزامات الأخرى».
كان الحديث في ذلك الوقت أن تبدأ الحكومة بنفسها فيما يتعلق بتشكيل هذه الوزارة المصغرة، حيث سيكون هناك عدد أقل من الوزراء ممثلين بها، وسيكون الهدف الأساس التعامل مع التحديات المالية (تصريح المتحدث باسم الحكومة 18 سبتمبر 2015).
مرّ على ذلك التوجيه أكثر من سنة ونصف (18 شهراً) فوجدنا أن التشكيلة الحكومية زادت ولم تقل بعد فصل وزارة الإعلام عن وزارة شئون مجلسي الشورى والنواب، وتعيين وزير لكل وزارة.
يوم الأحد (13 مارس/ آذار 2017) وجّه سمو رئيس الوزراء إلى إعادة هيكلة الجهاز الحكومي ليتناسب وطبيعة العمل الحكومي في المرحلة المقبلة، وبما يحقق التوجيهات الملكية السامية في هذا الشأن، وذلك بتقليص عدد الوزارات والهيئات الحكومية عبر دمج الوزارات، وتقليل عدد الهيئات والمؤسسات وإلحاقها بالوزارات القائمة قدر الإمكان، للحد من تضخم الجهاز الحكومي وضمان رفع كفاءته وزيادة إنتاجيته.
في العام 2014 تقلصت التشكيلة الحكومية إلى سبع عشرة وزارة، في ظل حديث عن سياسة «تقشف»، وتقليص نفقات مع إلغاء وزارات «زائدة عن الحاجة» كوزارة «حقوق الإنسان»، و»الثقافة»، و»الشئون الخارجية»، فيما دمجت وزارات كوزارة الأشغال مع البلديات، والاتصالات مع المواصلات، وبذلك عاد حجم الحكومة إلى عهد حكومة «العام 99»، مع العلم أن حكومة «العام 73» كانت الأقل عدداً وبـ 13 وزيراً وبلا نواب لرئيس الوزراء.
كعادة الشارع البحريني بعد أي قرار، يبدأ في وضع تصوراته وتكهناته، ويبدأ أيضاً في نسج تشكيلاته وفق قناعاته وميوله وتصوراته وقراءته للوضع السياسي والاقتصادي في البلاد.
سنسمع في الفترة المقبلة سيناريوهات كثيرة عن تشكيلة حكومية مرتقبة ستحمل اسم «الحكومة المصغرة» أو «الرشيقة»، وستكثر الشائعات بشأن تلك التصورات، من بينها إلغاء المجالس العليا للرياضة والصحة والدفاع والتعليم والأشغال والمرور، والإدارة العامة للنصب التذكاري لميثاق العمل الوطني، وإلغاء المحافظات، ودمج المجلس الأعلى للصحة مع هيئة المهن الصحية ووزارة الصحة، دمج هيئة ضمان جودة التعليم مع وزارة التربية والتعليم، ودمج مجلس التنمية الاقتصادية مع وزارة المالية، ودمج هيئة الكهرباء والماء مع وزارة الطاقة، والكثير من ذلك الكلام.
كما سيعود البعض لطرح فكرة إلغاء مجلسي النواب والشورى في ظل عدم قناعتهم بأدائهما وقدراتهما التشريعية والرقابية، مما قد يوفر ذلك ملايين الدنانير، رغم أن ذلك الحديث ليس واقعياً إلا أنه أصبح مطلباً في ظل مخرجات السلطة التشريعية وأدائها الذي يمكن أن يوصف بـ «السلبي».
مهما كانت الإجراءات، ومساحة خريطة التقشفات، ومهما كانت القرارات سواءً تلك المتعلقة بإعادة توجيه أو إلغاء الدعم عن السلع الرئيسية أو بتقليص مساحات الإنفاقات المتكررة أو بدمج وحل مؤسسات ووزارات، فإن الحل أو مجموعة الحلول لتجاوز تلك الأزمة ستكون «مُرّة» على الجميع، فيما بات ذلك التحوّل ضرورة أن يبقى دائماً وليس مؤقتاً، فقد تجاوزنا مرحلة الكوتات والمكافآت، وبات ضرورة أن ننتقل لمرحلة الكفاءات بعيداً عن أية حسابات.
سياسة الحكومة المصغرة يجب أن لا ترتكز فقط على الوزارات والوزراء، بل يجب أن تطال الهياكل «المترهلة» لكل المؤسسات الحكومية التي أصبحت متشبعة ببطالة مقنعة ووظائف زائدة ومحسوبية، حتى تحوّلت تلك المؤسسات والوزارات إلى كانتونات عائلية أو حزبية.
بات من الضروري التخلص من جوقة المستشارين والمسئولين الزائدين عن الحاجة المنتشرين في كل المؤسسات الرسمية، والذين يستنزفون موازنة الدولة دون أن تكون لهم قيمة حقيقية وتطويرية.
الدولة أدركت حجم خطورة الموقف، وأن سياسات التقشف، ورفع الدعم عن السلع لن تحد من تداعيات الأزمة، في ظل سيناريوهات باتت معروفة ومعلنة.
الحكومة المصغرة لمواجهة تحديات الأزمة المالية يجب أن تكون ذات خبرة عالية، وقدرة وشجاعة على اتخاذ القرارات التي ستخفف من حدة الموقف في ظل استحالة بلوغ الموازنة حد التوازن، مع عجز يقدر بأربعة مليارات دينار.
الأمور الاقتصادية دخلت مرحلة التعقيد، وعليه برزت الحاجة إلى التفكير في كيفية تقليل الضرر، وتقليص النفقات المتكرّرة والمتضخمة، وبات ضرورياً أن تبدأ الحكومة بنفسها وأن تتقشف في عدد وزاراتها ومسئوليها، والتخلّص من جوقة مستشاريها، ومراجعة كل هياكل المؤسسات الرسمية وإعادة رسمها من جديد، لتكون بذلك نواةً لحكومة ذكية، رشيقة، فاعلة، منتجة، غير مكلفة، في ظل ترهل واكتظاظ وبطالة مقنعة، ومصاريف عالية بلا إنتاجية فاعلة.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/03/15