أميركا والصدمات الكارثية
جيمس زغبي
مكن تعقّب جذور الانحدار الحالي لبعض السياسيين في الولايات المتحدة نحو الجنون بالعودة إلى سلسلة من الصدمات الكارثية التي لم تُعالج، والتي تعرّض لها الأميركيون أثناء إدارة جورج دبليو بوش. ففي مدة قصيرة قوامها 8 أعوام، عانينا من خسارة جماعية للثقة في القيادة الأميركية، وفي قدرة الحكومة على أداء معظم مهامها الأساسية، وفي جوهر «الحلم الأميركي».
فلنتذكر أنه إثر انتخاب بوش العام 2000، كانت العملية الانتخابية نفسها مبدِّدة للثقة، وبرغم ذلك مضينا قدماً لأن البلاد كانت تبلي بلاء حسناً على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. وبعدما خرجنا منتصرين من الحرب الباردة، أظهرنا قدرتنا على القيادة من دون منازع في العقد التالي، من خلال انتصارنا في حربين سريعتين نسبياً هما: تحرير الكويت، وإحلال السلام في البوسنة.
ثم جاءت هجمات الحادي عشر من أيلول المدوّية، ولم تؤد القرارات المصيرية التي اتخذتها إدارة بوش رداً على الهجمات إلا إلى إطالة وتعميق صدمة الهجمات الإرهابية. فقادت تلك الهجمات الولايات المتحدة إلى حربين، وقد أخبرونا بأن الانتصار سيكون «سريعاً ونظيفاً»، وأنه سيتمّ الترحيب بنا كفاتحين، وستنتشر جذوة الديموقراطية في أنحاء الشرق الأوسط بأسره. لكن بعد خمسة أعوام، ومع فقدان آلاف الأرواح من الأميركيين، وإنفاق تريليون دولار، وتنامي العداء للأميركيين في أنحاء العالم، لم تقترب الحربان من النهاية، وفقد الأميركيون الثقة في قيادتنا للعالم.
ولم يكن أداء إدارة بوش أفضل حالاً أيضاً على الجبهة الداخلية. وبرغم تأكيده أن «الإسلام دين سلام»، وتحذيره الأميركيين من استهداف مواطنيهم المسلمين أو ذوي الأصول العربية، إلا أن وزارة العدل في إدارته اختزلت تلك الرسالة بتقنين ممارسات أدت إلى التمييز ضد المُجتمعَين. وقد أحدثت الندوات الحاشدة والمؤتمرات الصحافية المؤججة والانتهاكات المتكررة الكثير من الخوف، وبثت الشكوك الجماهيرية بشأن «أعداء الداخل».
وفي تلك المرحلة، ضرب إعصار «كاترينا» الولايات المتحدة، ومن ثم كانت الحاجة إلى التعامل مع ضربة أخرى والبلاد تترنّح بالفعل. وكان من المتوقع أن تبلي «حكومة المحافظين الصغيرة» بلاء حسناً في وقت المأساة. ولكن رد الإدارة جاء متأخراً، ولم تؤد الإجراءات غير المتقنة التي اتُخذت إلا إلى فقدان مزيد من ثقة الجمهور بقدرة الحكومة على التصرف.
وجاءت ضربة أخرى في الأيام الأخيرة من عمر إدارة بوش في صورة ركود اقتصادي عميق هز ركائز النظام المالي في الولايات المتحدة. وفي غضون أشهر قليلة، باتت بنوك وشركات تصنيع كبرى على شفا الإفلاس، وخسر الأميركيون العاديون ما يتراوح بين 20 و30 في المئة من ثرواتهم التي جمعوها لخطط تقاعدهم، وتضاعفت معدلات البطالة، وتم تهديد واحد من كل خمسة ملاك منازل بالمصادرة. وأظهرت استطلاعات الرأي أن ثقة ثلثي الأميركيين في المستقبل الاقتصادي صارت فجأة على النقيض من حالها في عقد التسعينيات، ولم يعد هؤلاء يعتقدون أن أبناءهم سيحظون بمستقبل أفضل.
ومهّد ذلك كله لفوز أوباما في العام 2008. وفي معظم فترات الصدمات الجماعية التي درستها، كان ردّ الفعل النموذجي هو الخوف والتفكّك الاجتماعي، والتشبث بقيم الماضي الرومانسي. لكن هذه المرّة جاء رد الفعل مختلفاً، برغم أنه استمرّ لفترة قصيرة. فبمجرد فوز أوباما، بدأ «الحزب الجمهوري» حياكة مؤامرات لإفشاله. وفعل «الجمهوريون» كل ما في وسعهم لعرقلة أجندته في الكونغرس، وموّلوا وقدّموا الدعم اللوجستي لـ «حزب الشاي»، وأيّدوا حركة تنشر نظريات المؤامرة بشأن مكان ميلاد أوباما، وبأساليب ماكرة استفادوا من أعمق المخاوف بشأن البعد الأفريقي للرئيس ودين والده!
السفير
أضيف بتاريخ :2015/12/03