اعتذار السيدة باك جون هاي!
قاسم حسين ..
هذا ليس عنوان رواية خيالية أو قصة بوليسية، من تأليف إيميلي بر,نتي أو أجاثا كريستي، وإنّما حدث سياسي كبير وقع في دولة شرقية متقدمة اقتصادياً، تعتبر من النمور الآسيوية.
والسيدة هي رئيسة هذه الدولة، كوريا الجنوبية، وقد تم عزلها من منصبها قبل أسابيع، نتيجة اتهامها بقضايا فساد. وظلّت باك جون هاي تكابر وتعاند، لتفلت من المساءلة، لكن الضغط الشعبي استمر، واستمرت المظاهرات الحاشدة أمام مقر الحكومة، للمطالبة بمحاكمتها، حتى صوّت البرلمان على عزلها، وهو قرارٌ أيدته المحكمة الدستورية، فاضطرت إلى مواجهة الواقع والرضوخ.
الاعتذار حدث يوم الثلاثاء الماضي، لدى وصولها إلى مقر الادعاء العام لاستجوابها كمشتبهٍ بها في وقائع الفساد. وكان الكوريون ينتظرون رد فعلها، بعد طول مكابرتها وعنادها، في أول ظهورٍ لها أمام وسائل الإعلام، فشاهدوها تقف على درج مبنى الادعاء لتتحدّث أمام الكاميرات قائلةً: «أعتذر للشعب. وسأتعاون بإخلاص في التحقيق».
بعض شهود العيان قالوا إنهم شاهدوا قطرات معدودة من الدموع تسيل على خدّيها، وهو ما فسّره معارضوها بأنها دموع الخجل والعار، بينما ردّ آخرون إن السياسيين ليسوا مثلنا، فهم لا يشعرون بهذه المشاعر حين يُخطِئون، وإنّما هي دموع تماسيح لجلب التعاطف من السذج والبسطاء.
السيدة باك جون هاي حين انتخبت رئيسةً لبلادها قبل أربعة أعوام، تم إحاطتها بهالةٍ إعلاميةٍ كبيرة، ترحيباً وتهليلاً، لكن الهالة كانت أكبر عند عزلها، حيث تحوّلت إلى فضيحة تتداولها كل وكالات الأنباء العالمية، باعتبارها أول رئيس كوري منتخب ديمقراطياً يتم عزله سلمياً، بسبب الفساد.
قصة الفساد التي تتهم بها باك جون هاي، تتلخص في تواطئها مع صديقتها المقرّبة تشوي سون سيل للضغط على شركات كبرى لتقديم تبرعات لمؤسستين كانتا تدعمانها سياسياً. وحاولت الصديقتان المقربتان نفي التهمة... لكن بعد فوات الأوان.
تبلغ باك جون هاي من العمر الآن 65 عاماً، وبعدما فقدت حصانتها الرئاسية إثر عزلها، يتوقع رجال القانون أن يُحكم عليها بالسجن لمدة تزيد عن 10 سنوات، في حال إدانتها بتلقي الرشاوى من تلك الشركات الكبيرة. وهذا يعني أنها لن تشاهد الشمس مرةً أخرى إلا بعد بلوغها 75 عاماً، إلا إذا تم تخفيف الحكم عليها بصدور عفو خاص، بعد مرور بضع سنوات بعدما تبرد القضية وليس الآن، حيث يمكن أن يكون ذلك مقبولاً لدى الرأي العام، الذي يعتبر الفساد خيانةً للشعب والوطن والتاريخ والدم الكوري.
الكوريون 50 مليوناً، نصفهم يؤمنون بالأديان ونصفهم لا يؤمنون. ونصف المؤمنين بوذيون، ونصفهم الآخر مسيحيون كاثوليك وبروتستانت، ولا ندري هل في دينهم كلمةٌ عظيمةٌ تُنسب لنبيهم مثل «لو ابنة بوذا سرقت لقطعت يدها» أم لا، لأنهم مجمِعون كلمةً واحدةً على محاربة الفساد ومحاكمة المفسدين.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/03/24