«كذبة أبريل»... البحريني أولوية
هاني الفردان ..
في ردٍّ من ديوان الخدمة المدنية على مقال لي بعنوان «أما آن الأوان لنقول لهم نحن أيضاً... شكراً» والذي تحدثت فيه بصدق عن توجه رسمي لعدم جعل البحريني أولوية لديها في خياراتها التوظيفية، وحتى التأهيلية، وتوجهت بشكل صريح وواضح نحو خيار العمالة الأجنبية واستقدام غير البحرينيين بحجج واهية، تحمل في طياتها حقائق وأسباباً سياسية واضحة للعيان.
ديوان الخدمة المدنية تحدث بإنشائية في ردِّه، مستنداً على مواد قانونية ولوائح مطاطية من نوع أن الأصل في التوظيف وفقاً لتشريعات الخدمة المدنية هو توظيف البحرينيين؛ ولكن في حال عدم توافر المرشحين المؤهلين لشغل الوظائف الشاغرة، فإنه يمكن اللجوء لتوظيف غير البحرينيين، ذلك الحديث لا يعكس حقيقة الواقع الملموس والواضح.
نعلم جميعاً أن جميع الجهات الحكومية، استخدمت من كلمة «ولكن» وحالة الاستثناء في القوانين واللوائح لجعلها «الأصل» في التوظيف بحجج وذرائع كثيرة، منها عدم وجود «مؤهلين» من البحرينيين، وبالتالي أعطوا لأنفسهم الحق في اللجوء إلى الخارج لسد العجز في الكفاءات من المواطنين إلى حين تتهيأ القدرات الوطنية لملء الفراغ والإحلال محل العمالة المهاجرة تدريجياً، وذلك وفق خطة واضحة المعالم، كما يقول المثل البحريني العامي: «صبري يا حريقة سار لين ما يجيش ماي الحنينية»!
لا نريد أن نكرر كثيراً ونطيل الحديث في إثبات ما هو ثابت بشأن التوجه نحو الأجنبي في مختلف القطاعات العامة فضلاً عن الخاصة، وقد تحدثنا في ذلك كثيراً، ولكن سأسرد مثالاً واحداً فقط لنبين حقيقة ما نعيشه في هذا البلد، وهو كفيل بأن يوضح الصورة الحقيقية، لعدم الاهتمام بالكوادر البحرينية وتفضيل الأجنبي، بل السعي لإحلال الأجنبي محل المواطن البحريني، في مشهد لن تجده في أي مكان آخر في العالم.
هذا الخطاب ليس موجهاً فقط لديوان الخدمة المدنية، بل لأي جهة رسمية يمكنها أن ترد عليه، وتوضحه، أو حتى تنفيه، فقد نشرت صحيفة «تريبيون» الباكستانية في عددها الصادر في (18 أكتوبر/ تشرين الأول 2016) تصريحات لوزير الخدمات الصحية الباكستاني سايرا أفضال طرار، قال فيها إن الحكومة الباكستانية بدأت العمل على إنشاء مؤسسة طبية تعليمية جديدة في العاصمة إسلام آباد، وإن الأموال المطلوبة لهذه المؤسسة تبرعت بها حكومة البحرين!
تلك التصريحات التي كشفت عن أن «المسئولين الباكستانيين أحيطوا علماً بالمستوى التعليمي المطلوب، بحسب مواصفات أحد المستشفيات البحرينية الرسمية، وذلك بهدف تخريج كفاءات بجودة عالية تناسب ما تحتاج إليه البحرين».
في هذه القضية، لو كان لدينا مجلس نيابي حقيقي، لشكلت على إثرها لجنة تحقيق، وبعدها استجواب وطرح ثقة، في أي مسئول حكومي تبنى هذا التوجه الذي يضر بمصالحنا الوطنية، ويفضل الأجنبي على الخيار البحريني ماسّاً بذلك الرؤية الاقتصادية (2030) والتي تهدف لجعل البحريني الخيار المفضل للقطاع الخاص، فإذا بالقطاع العام يتخلى عنه ويتجه للخارج!
ذلك الحديث عن المسئولين الباكستانيين لم تنفهِ أي جهة رسمية، ولا حتى ديوان الخدمة المدنية، وخصوصاً أن التوظيف سيكون في «أحد المستشفيات البحرينية الرسمية»، وما حالة السكوت الراهنة بشأنه، إلا تأكيد ولو مؤقتاً لفحوى ما جاء به من أمر غاية في الخطورة يعاكس رؤية «جعل المواطن البحريني أولوية، ومحور التنمية».
ديوان الخدمة المدنية يقول في ردِّه: «إن الدولة تقوم بتقديم خدمات جليلة للمواطنين والمقيمين، وخاصةً في قطاع التعليم والصحة والبنية التحتية، لهذا فإن الاستعانة بالوافدين أصحاب الخبرات يتم للحفاظ على مستوى الخدمات، ولا يكون ذلك إلا بعد استنفاد جميع المحاولات في إيجاد الكفاءات الوطنية، ولا يتم الإعلان عن وظائف شاغرة في الجهات الحكومية خارج البحرين إلا في حال عدم وجود مرشحين بحرينيين مؤهلين».
نسأل الجهات المعنية والرسمية، ما هو المانع أن تكون هذه المؤسسة الطبية التعليمية في البحرين؟ وما هو المانع أن تقوم هذه المؤسسة التعليمية بتخريج كفاءات بحرينية بجودة عالية تتناسب واحتياجات البحرين؟ وما هو المانع من توظيف الخريجين البحرينيين من المؤسسات التعليمية البحرينية في تلك الوظائف!
يقول ديوان الخدمة المدنية: «يجب النظر إلى عملية توظيف غير البحرينيين كوسيلة لسد العجز في الكفاءات من المواطنين، إلى حين أن تتهيأ القدرات الوطنية لملء الفراغ والإحلال محل العمالة الوافدة تدريجياً وذلك وفق خطة واضحة المعالم».
ونقول هل الخطة واضحة المعالم التي يتم الحديث عنها لإحلال البحريني محل الأجنبي «تدريجياً»، تنص على إنشاء مؤسسة طبية تعليمية في دولة أجنبية على نفقة الدولة، بهدف تخريج كفاءات بجودة عالية تناسب ما تحتاج إليه البحرين من أبناء تلك الدولة الأجنبية على حساب البحريني!
لدينا مشاريع كثيرة، ورؤية وطنية، ولدينا قوانين ولوائح كثيرة تتحدث عن أن البحريني أولوية في التوظيف والتأهيل وكل شيء، ولكن كل ذلك «حبر على ورق»، وعلى لسان المسئولين فقط، فيما الواقع الفعلي والتطبيق العملي يقول عكس ذلك.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/04/05