تقاسيم (تزكيات مجانية!!)
علي القاسمي
تبدو أن تحولي لشيخ مسألة بسيطة جداً ولا تتطلب سوى أن أعد نفسي جيداً للحضور المنبري مع شيء من الكاريزما الجاذبة والدخول في القضايا الدينية والاجتماعية بالتحريم مباشرة ثم التحول وفق ما يطلبه المتسائلون لمناطق ميسرة ومحاولات لجذب الناس وأفهامهم بأن عند شخصي الكريم مدخل ومخرج، يفتي الشيخ الفلاني ويقول بتوسع وتعدٍ شيخ آخر، ويحذرنا شيخ ثالث، ويدفع بنا رابع وبهذا ومن هذا تتوالى السلسلة، على رغم أن معرفتنا بهؤلاء المفتين والمحذرين والمشرعين والمحللين والمحرمين لا تتجاوز أسماءهم الطارئة والتي لا تلحق بها أي سير ذاتية شافعة بل إن السيرة الحركية أبلغ، وتؤكد أن مشايخنا سابقي الذكر من هواة التزكيات المجانية وشهادات الشقق المفروشة ونجوم الفلاش ومتصدري شبابيك المشاهدة.
المشايخ الوهميون - إن صحت العبارة - ملأوا الدنيا ضجيجاً وحضوراً، ولديهم قدرة فائقة على التقاط الضوء والتفتيش عنه وجلبه في غمضة عين، حققوا ما لم يتمكن من هم أهل للحضور والضوء، ولو أن كل واحدٍ منا انفرد مع نفسه ليحسب كم هم المشايخ الذين مروا عليه في حياتهم لوجد أننا بلدان تُزكي وتشجع لجمال الصوت وحسن المظهر والتأثير بالعاطفة! مؤمن أن هذه المفردة منحت بعشوائية، ولوازم ومتطلبات الإطلاق لا تستلزم إلا بضعة أسطر يدبج بها الإنسان ذاته مع جملة من التحسينات وتقدم له هذه المفردة على طبق من ذهب وبحماسة اجتماعية لا مثيل لها، وتمييع مفردة الـ«شيخ» وسلبها حضورها الحقيقي ووزنها الثقيل لم يكن وليد سنة أو سنتين، بل هو خلاصة سنوات طويلة من الظواهر الصوتية والتطبيل والشحن العاطفي والغزوات الوهمية، كان ذلك محصلة لمجتمع تأسره العبارات وتخذله قدراته عن اكتشاف الأصل من الاستنساخ المشوه، ولا يزال بيننا حتى هذه اللحظة من لا يدرك أبعاد وتأثير ذلك على أفراد ذوي قدرات محدودة يهابون المسمّى قبل صاحبه ولا يعرفون لماذا قالوا عن فلان إنه «شيخ» أو مدى استحقاقها.
ذَهَبت - وللحق - هذه المفردة لكثير من الذين لم تسقط لهم قطرة من عرق الجبين سوى على جلب مزيد من الدعم الشعبي وقيادة الجماهير المندفعة تحت تأثير الصوت والصورة، ونحن ولدنا وفي الأذهان أن مسمّى «شيخ» هو خلاصة جملة من السمات والصفات الشخصية والكاريزما الاستثنائية تلك التي تحولت مع فوضى التغيير إلى كاريزما سهلة الامتطاء والتناول، ويقف حرجنا الدائم وتغليب حالة النفاق المجتمعي كحاجزين من دون كبح جماح التداول العشوائي للمسمّى والتحول لمنطقة وعي عام يعرف من خلالها الشيخ المزيف من الشيخ المتكئ على علم وارث. إن أزمتنا المستترة ليست مع من يكون مسمّاه كشيخ مسبوق بمعالي أو فضيلة أو سماحة، أزمتنا الحادة مع من ينالها جافة حافة، أولئك الذين يرون في المظاهر وجودة الحبال الصوتية والثرثرة فقط مسوغات ليكون بيننا من المشايخ الوهميين ما يضاهي عدد شعرائنا الشعبيين الهواة والفنانين الطارئين والببغاوات في كل ناحية ونهج!
صحيفة الحياة
أضيف بتاريخ :2015/12/06