هيئة المنشآت المفلسة!
هبة زهير قاضي ..
تبدأ القصة بفكرة مبتكرة، ورؤية محمسة، وطموحات وأحلام تكاد تطال عنان السماء. فيقرر أن يؤسس عمله الخاص ويسير على ذلك الدرب الذي صوروه له بأنه أخضر اخضرار تلال بريطانيا.
يذهب لبنك التسليف وفي يده ملف الدراسة المتقن ليفاجأ باشتراطاتهم وطلب كفيل غارم وتعقيدات الإجراءات التي ستأخذ شهورا طويلة. يقرر أن يجمع رأس المال بنفسه ويقبل على بداية الإجراءات القانونية التي يعرقلها لمدة ثلاثة أشهر رفض الاسم التجاري، ليقترح عليه المسؤول في النهاية تسجيل الشركة بأي اسم ومن ثم عمل علامة تجارية بالاسم الذي يريده وأن هذا ما يفعله الجميع لتيسير أمورهم.
ما زال الحماس مستمرا رغم كل شيء وها هو يحاول التركيز في استجلاب العملاء وبناء موقعه الالكتروني وتصميم بروفايل عمله وفي نفس الوقت يزور مكتب العمل لإنهاء الإجراءات الرسمية ليستطيع تسجيل الموظفين في نظام دعم الموارد البشرية حيث إنه حرص كل الحرص على جلب كفاءات سعودية وإعطائهم رواتب مجزية، ليفاجأ بأن نشاطه الذي يرتبط بمجال جديد في عالم الأعمال ليس مدرجا في قوائم اختيار المجال في مكتب العمل، وأن النظام ليس به أي مرونة لإضافة تخصصات تواكب العصر الذي نعيش فيه والمجالات الجديدة التي تستحدث كل يوم.
للمرة الثانية نصحوه باختيار مسمى عام لا علاقة له بمجاله وأن هذا ما يفعله الجميع لتيسير أمورهم. ولكن المفاجآت لم تتوقف حيث إن الإجراءات أبت أن تكتمل لاشتراط استخراج تصريح من البلدية وحين واجههم بسؤال لماذا يحتاج لهذا التصريح لم يكن هناك من جواب إلا (النظام الالكتروني قرر كده) لتبدأ رحلة جديدة واضطر هنا للدفع لمعقب لأنه مشغول تمام الانشغال في محاولة النهوض بعمله الذي يحتاج كل تركيزه وليستمر حتى انتهاء الإجراءات في دفع رواتب الموظفين كاملة بدون الدعم الموعود بسبب طول الإجراءات.
أخبره المعقب لاحقا أن البلدية تشترط تقرير الدفاع المدني وأنه يستلزم جلب شركة لتقوم بتطبيق إجراءات الأمن والسلامة في المكتب وبالطبع دفع تكلفة جديدة، رغم أن المبنى مكتبي ومن المفترض بصاحب المبنى ألا يعطى له تصريح بالتأجير حتى يكون طبق هذه الاشتراطات.
بعد الانتهاء من الإجراءات جلس في انتظار زيارة الدفاع المدني الذي اعتذر في البداية بأن المسؤول في إجازة لمدة شهر، وأنه ليس هناك نائب يقوم بمهامه ليستمر هذا الوضع لمدة ثلاثة أشهر وهو مستمر بدون أي دعم ولكن أموره طيبة والأعمال بدأت في الحراك.
فوجئ أخيرا وبعد زيارات المعقب المتكررة بصدور تقرير الدفاع المدني بدون زيارة، لتبدأ رحلة العودة إلى البلدية التي عادت فطلبت أوراقا وصلت حد طلب صك ملكية المبنى الذي به مكتبه! وبعد عناء استكمال الأوراق وتصريح الدفاع المدني تم أخيرا صدور تصريح البلدية ليتوجه مرة ثانية إلى مكتب العمل الذي طلب منه عدة إجراءات وأولها التأمينات الاجتماعية التي توجه إليها ضاحكا بسبب مرور سنة تقريبا على بدئه العمل، وها هو يضطر لتسجيل الشركة ونفسه ومن معه بأن الشركة لها فقط شهر لأن النظام لا يسمح بأكثر من هذه المدة.
عاد إلى محاولة تسجيل نفسه وموظفيه في نظام صندوق تنمية الموارد البشرية ليفاجأ بأن النظام الالكتروني عاطل عن العمل، ولانشغاله الشديد قرر أن يوكل أحد أعضاء الفريق للدخول يوميا على النظام الذي أخبرهم المسؤولون في الصندوق بأن به مشكلة هذه الفترة، وأنه لا يمكن استكمال أي إجراء عن طريق الفروع، ويجب أن تبقى تحت رحمة النظام الالكتروني حتى يرضى عنا.
وكشفت الأزمة عن أنيابها، وبدأت المشاريع حوله في التساقط واحدة تلو الأخرى. وبسبب ما يتناقل وما يتداول في الإعلام وفي ظل غياب جهة موثوقة يعتمد عليها في استطلاع الأخبار بدأ الجميع في الانسحاب وإيقاف المشاريع وأول المتضررين هي الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وبدأت أزمة خروج الموظفين والاستغناء عنهم وتحولهم إلى العمل بنظام الدوام الجزئي تخفيضا للمصروفات حتى تمر الأزمة. وفي خضم محاولته لتدبير أموره ترسل له التأمينات الاجتماعية رسالة تطالبه فيها بدفع مبلغ وقدره، وأنه في حال تأخره عن الدفع فسيتم تغريمه عن الموظفين الذين بدؤوا البحث عن عمل في أماكن أخرى، وعن عمله الذي استكملت إجراءاته القانونية وهو يقرر إغلاقه.
وها هو الآن في طريقه إلى دبي للانضمام إلى أصدقائه الذين سبقوه إلى هناك والذين وعدوه بإنهاء إجراءاته الرسمية في يومين اثنين فقط، وبدون أي هيئة مختصة في المنشآت الصغيرة والمتوسطة.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/04/12