الخدمة المدنية... ردود بلا مضمون
قاسم حسين ..
يقدّم الردّ المنشور أمس من قبل ديوان الخدمة المدنية، على مقال «كذبة أبريل... البحريني أولوية» لأحد الزملاء قبل أسبوع، نموذجاً للردود التي تفتقر إلى أي مضمون.
مثل هذا الرد حين تقرأه، لن تخرج منه بأية فائدة أو زبدة، فهو مكتوبٌ للردّ لمجرد الردّ، ولإثبات الوجود ثانياً، وللتعبير ثالثاً عن غضبٍ مكتوم.
هناك أزمةٌ يعاني منها الشعب البحريني اليوم، وهي اتساع دائرة البطالة، وهناك مؤسسات رسمية قاصرة أو مقصّرة في معالجة هذا الموضوع الضاغط على أعصاب البحرينيين، في مقدمتها «وزارة العمل والتنمية الاجتماعية» و»ديوان الخدمة المدنية»، وحين تتجه لهما سهام النقد في ظلّ عجزهما عن إيجاد حلول، تتفتق دوائر العلاقات العامة عن مثل هذه الردود التي تثبت التهمة على القاصرين والمقصّرين.
الصحافة لا تبحث عن مجادلات مع الوزراء وطواقمهم الإدارية، فضلاً عن موظفي العلاقات العامة، ولكنها تطرح مشاكل المجتمع وتتكلّم عن أزماته، وذلك من صلب عملها ودورها وواجباتها تجاه المجتمع. والتهديد الظاهر أو المبطن إنما يدلّ على ضعف الحجة والعجز عن الدفاع عن هذه السياسات التي يشوبها القصور والتقصير.
منذ سنوات والصحافة تنتقد سياسات «ديوان الخدمة المدنية»، ومنذ سنوات والديوان يصر على سياساته، حتى أصبح واضحاً اليوم تفضيله للأجانب على البحرينيين في التوظيف. وهي ليست قناعة عددٍ من الصحافيين بل هي قناعة عامة في المجتمع. فظاهرة بقاء الخريجين الجامعيين عاطلين أو بالأحرى «معطّلين» لسنوات، تصل أحياناً إلى العشر، بينما يسهّل الديوان استقدام وتوظيف الأجانب في نفس التخصصات بالمؤسسات الحكومية، بما لا يمكن إنكارها أو الدفاع عنها أو تبريرها.
انتقدنا مراراً وتكراراً ديوان الخدمة المدنية بسبب هذه السياسة الخاطئة والمضادة لمصلحة الوطن والمواطن، وناقشناه في أساسياتها ليقنعنا بأنها سياسات سليمة، لكنه كان يلوذ بالفرار والصمت. والصمت في هذه الحالة إقرار ضمني بالخطأ، إن لم نقل الجرم. فأنت تتسبّب في إعاقة توظيف آلاف المواطنين الخريجين المؤهلين، وتمنع مساهمتهم في اقتصاد وتنمية بلدهم، وتستقدم مكانهم أجانب من بلدان وجنسيات أخرى، دون مبرر مقنع.
من الانتقادات الدائمة لديوان الخدمة المدنية التي لا يوافي الجمهور بجوابٍ عليها: كيف تستقدم أطباء وممرضين وممرضات من الدول الأخرى ولديك فائض من خريجي الطب والتمريض البحرينيين؟ ولماذا لم تعمل على مدار عقد أو عقدين ببحرنة أغلب الوظائف الحكومية وتصر على استقدام معلمين ومعلمات من الخارج بينما لديك فائض من خريجي التربية المؤهلين؟ ولماذا تصر على هذه السياسة غير الرشيدة حتى في زمن التقشف وانهيار أسعار النفط، رغم أنها تثقل الموازنة العامة بالأعباء لما تدفعه للوافد من بدل سكن وتذاكر سفر وعلاوات غربة وصحة وتأمين وتعليم أطفال... بينما لا تدفع للمواطن أكثر من راتبه الشهري؟
هذه إشكالات كبرى تُوجّه لديوان الخدمة المدنية، ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الصحة وسواها من مؤسسات رسمية يفترض أن تكون قدوةً في الالتزام بالبحرنة، تغليباً لمصلحة الوطن وشعبه، ولتُقنِع بها القطاع الخاص، الذي تدعوه بلسانها دائماً لجعل «البحريني الخيار الأول»، بينما تجعل الأجنبي خيارها المفضل!
رد ديوان الخدمة المدنية لم يقدّم معلومةً واحدةً مفيدة، ولم يرد على جزءٍ من المليون من الانتقادات اليومية الموجهة إليه، وإنّما جاء ليثبت كل التهم والإشكالات التي يتداولها المواطنون في مجالسهم وبيوتهم ومنتدياتهم كل يوم.
لكي يعرف الديوان موقف الجمهور من ردوده الخالية من أي مضمون، عليه أن يقرأ تعليقات القراء على رده المنشور أمس، واختارُ منها هذا الرد المسكت العميق: «نتمنى أن يأتي اليوم الذي يكون فيه ديوان الخدمة المدنية هيئة وطنية مستقلة تتم فيها التعيينات وفق النزاهة والخبرة والمهنية بعيداً عن التصنيفات المذهبية والسياسية، لأن فاقد الشيء لا يعطيه». وهي أمنية الكثيرين من أجل إصلاح كل هذا التشوهات، في السياسات وفي سوق العمل على حدٍ سواء.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/04/13