عراق صدام وسورية الأسد
محمد عبدالله محمد ..
يقولون بأن التاريخ يُعيد نفسه. وهي عبارة صحيحة نسبياً. لكن عودة التاريخ بنفسه لها تجليات أخرى تكمن في كشفه لنا أيضاً. فعندما تعود أحداث التاريخ، تعود معها صنائع البشر، مرة متفقة ومرة أخرى مختلفة وهي الأهم. فالتاريخ هو بالأساس حوادث. وهذه الحوادث في أغلبها يقوم بها البشر.
جاءني هذا التفكير وأنا أقرأ الأخبار التي أفادت الجمعة الماضي (7 أبريل/ نيسان 2017) بأن القوات الأميركية في البحر الأبيض المتوسط شنت ضربات بـ59 صاروخاً على أهداف داخل سورية، وتحديداً في حمص واستهدفت قاعدة الشعيرات الجوية. قارَبْتُ هذا مع ما جرى ضد العراق في الـ20 من مارس/ آذار 2003 (وما قبله حتى) من عمليات عسكرية ومواقف سياسية. دعونا نقرأ الحدثيْن للتأمل فقط وللقارئ أن يحكم.
قبيل حرب العراق صوّت البرلمان التركي وبضغط من الجيش والقوى العلمانية ضد فتح الحدود الشمالية مع العراق وعدم السماح لـ62 ألف جندي أميركي باستخدام الأراضي التركية أو مشاركة أنقرة في الحرب ضد العراق. اليوم، وعندما حصلت الضربة الأميركية على سورية خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذو الميول الإسلامية ليقول بأنه مع الإجراء العسكري الأميركي ضد سورية، وكذلك نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش الذي قال بأن بلاده تنظر بإيجابية للضربات الصاروخية الأميركية ضد سورية.
لنستذكر أكثر. في الـ19 من مارس 2003 قال الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش بأن «المعلومات الاستخباراتية التي جمعتها حكومته وغيرها من الحكومات لا تترك مجالاً للشك بأن العراق يواصل امتلاك وإخفاء بعض أشد الأسلحة فتكاً على الإطلاق. وقد استخدم هذا النظام (أي نظام صدم حسين) أسلحة دمار شامل ضد الشعب العراقي نفسه» عارضاً (عبر وزير خارجيته آنذاك كولن باول) صوراً مزعمومة لتلك الأسلحة.
اليوم، وخلال الضربة الأميركية الأخيرة على سورية صرّح مسئول بالمخابرات الأميركية قائلاً بأن «أجهزة المخابرات الأميركية تشتبه في أن الأسد احتفظ ببعض الأسلحة أو المكونات الكيماوية» مضيفاً بأننا «لم نصدق مطلقاً ما قاله الأسد من أنه أعلن عن كامل مخزونه من الأسلحة الكيماوية».
خلال المؤتمرات التي تمّت في العام 2002 وبداية الـ2003، والتي عقدتها المعارضة العراقية كانت الولايات المتحدة الأميركية تعلن اعترافها بتلك المعارضة. وخلال الأزمة السورية أعلنت الإدارة الأميركية أنها تعترف بالائتلاف الوطني السوري المعارض كممثل شرعي وحيد للشعب السوري.
قبيل الغزو الأميركي على العراق قالت «إسرائيل» على لسان رئيس وزرائها آنذاك أرييل شارون الذي كان يتحدث أمام لجنة الشئون الخارجية والدفاع في الكنيست بأن «العراق يعتبر أكبر مصدر للخطر على إسرائيل»، وأن «حكومته يجب ألاّ تعبّر عن أيّ تحفظ إزاء هجوم» أميركي على العراق. اليوم، وعندما حصلت الضربة الأميركية على سورية أشادت «إسرائيل» بتلك الضربة على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الذي اعتبر خطوة الأميركان أنها جاءت «لأسباب أخلاقية»!
في العشرين من مارس 2003 وعندما قامت طائرات أميركية بشن ضربات جوية على العاصمة العراقية بغداد إيذاناً ببدء الحرب الأميركية البريطانية على العراق، رحّبت المعارضة العراقية بذلك معتبرة الحرب واجباً دولياً. اليوم وبعد الضربات الأميركية على سورية فإن المعارضة السورية ممثلةً في الائتلاف الوطني السوري المعارض رحّبت «بالضربة الصاروخية الأميركية» وتمنّت «استمرارها».
وفي اللحظة التي كانت المعارضة العراقية قبل 13 عاماً تشجّع على ضرب بلادها العراق، نجد هذه المعارضة التي هي تحكم العراق اليوم تقف ضد الضربة الأميركية على سورية. وفي اللحظة التي كان فيها أعضاء المعارضة السورية الحالية اليوم يعارضون غزو العراق عندما كان كثير منهم في الحكم بدمشق، نراهم اليوم يُرحّبون بالضربة الأميركية على بلادهم سورية!
في الـ22 من مارس الرئيس الأميركي الأسبق بوش يقول بأن صدام حسين يستخدم المدنيين العراقيين كدروع بشرية؛ وبعد عقد وثلاث سنوات، نرى الرئيس اليوم دونالد ترامب خلال الضربة الأميركية الأخيرة على سورية يقول بأن الأسد تجاوز الخط الأحمر «بهجوم الغاز السام على المدنيين».
في الـ22 من مارس بوش يقول بأن «مساعدة العراقيين على بناء بلد مستقر وموحد وحر سيتطلب التزاماً منا، وعلى صدام حسين التنحي». اليوم وخلال الحرب الأهلية السورية وتحديداً بعد أربعة أشهر على تلك الحرب باراك أوباما قال: «مستقبل سورية يجب أن يحدده الشعب السوري لكن بشار الأسد يقف في طريقه. من أجل الشعب السوري حان الوقت لأن يتنحى الأسد».
في الـ22 من مارس 2003 بوش يقول بأن «الشعب الأميركي وأصدقاءنا وحلفاءنا لن يعيشوا تحت رحمة نظام خارج عن القانون (نظام صدام حسين) ويهدد السلام بأسلحة القتل الجماعي». اليوم وقُبيل الضربة الأميركية على سورية ترامب يقول بأن «ما فعله الأسد شيء مروع، وما حدث في سورية عار على الإنسانية لذا يجب أن يحدث شيء ما».
لنتأمل في ذلك التشابه شبه التام وإلى طبيعة المواقف المتخذة. فما يفصل الحدثيْن هو 13 عاماً فقط. وهو في الحقيقة تحدٍ للذاكرة والضمير، وقطعاً لسوق المزايدة.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/04/13