مرض الانتصارات السريعة
عصام أمان الله بخاري ..
"لا أحد يباريكم أيها السعوديون في التخطيط الإستراتيجي، ولكن مشكلتكم في أن نفسكم قصير وتغيرون آراءكم بسرعة". كلمات قالها خبير أجنبي لمستشارين سعوديين في إحدى المؤسسات الحكومية. مقالة اليوم تناقش سبب ميل الكثير من المؤسسات العربية إلى التغيير المستمر وعدم الثبات على خطة واحدة.
الطريف في شأن الخبير الأجنبي المذكور أعلاه أن المؤسسة الحكومية طلبت منه إعداد خطة إستراتيجية باهظة التكاليف دون أن تدري أن إدارة سابقة بنفس المؤسسة طلبت نفس الخطة قبل عدة سنوات لكنها أصبحت حبيسة الأدراج مع تغير القيادات بتلك المؤسسة.. لماذا يتكرر حصول ذلك في الكثير من المؤسسات العربية؟ من وجهة نظر الكاتب المتواضعة أرى أن أحد أهم الأسباب ما قد نسميه (مرض الانتصارات السريعة).
ولتبسيط الفكرة فالانتصارات السريعة (Quick Wins) هي تلك التي يسهل تنفيذها، وليست مكلفة، تأثيرها بسيط وسطحي ويمكن تحقيقها في مدة تتراوح بين 60 إلى 90 يوما فقط. إذا كان الأمر كذلك فما هي المشكلة؟ القضية تتمثل في حرص المسؤول الجديد على تحقيق الانتصارات السريعة لأهداف مختلفة كالحضور إعلامياً والحصول على رضا المسؤولين الكبار وغيرها. هذا الحرص المبالغ فيه على الانتصارات السريعة يتوازى مع الرغبة بإيقاف كل ما يتعلق بالإدارات السابقة وإلغائه من الوجود في سبيل إثبات حضور وكفاءة الإدارة الجديدة.
والمشكلة هي أن الحرص المبالغ على الانتصارات السريعة يؤثر بشكل سلبي على المشروعات الكبيرة ذات النفس الطويل والتأثير الكبير والتي تلامس احتياجات قطاعات كبيرة وحيوية. فتسخير موارد المؤسسة ووقتها وجهود العاملين بها خلف تلك الانتصارات السريعة وبشكل متكرر يؤدي لضياع البوصلة وفقدان التركيز المطلوب لتحقيق الأهداف الكبرى للمؤسسة.
من ناحية أخرى، فعندما تتنافس الشركات الكبرى والمؤسسات الحكومية على الانتصارات الصغيرة فهي تغلق الباب دون أن تعلم في وجه الشركات والمؤسسات الصغيرة والناشئة في نفس القطاع والتي قد تمتلك القدرات لتنفيذ تلك المشروعات بشكل احترافي وفعال ولكن على مدى طويل.
بيد أنه وبالمقابل فالانتصارات السريعة لها نواح إيجابية كما تذكر مقالة مجلة هارفاد بيزنس ريفو (العدد يناير 2009) ففي دراسة شملت 5400 قائد في قطاع الأعمال حقق أصحاب الانتصارات السريعة في بداية مشوارهم إنتاجية في العمل أعلى 20% من الذين لم يحققوا انتصارات سريعة.
وباختصار، الانتصارات السريعة لها إيجابيات متعددة خاصة للمسؤولين الجدد لكن إدمانها وجعلها محور أعمال المؤسسة أو الشركة ظاهرة خطيرة قد تقود إلى هزائم بطيئة ولكن كبيرة على المدى البعيد.
جريدة الرياض
أضيف بتاريخ :2017/04/14