أمّي هي مشروعي !
طلال القشقري ..
لو كان لمشاعري عرش لهزّه من قوائمه كلامُ قريبٍ لي عندما سألتُه عن مشروعه بعد تقاعده من وظيفته!.
أجاب بثلاث كلمات فقط: (أمّي هي مشروعي)!.
وفي التفاصيل قال إنه أقسم على أمّه ألّا تبيت ليلةً واحدةً في بيتها بعد وفاة أبيه، وبنى لها في سطح بيته جناحاً فاخراً بواجهات زجاجية تطلُّ على مزروعات تُحِبُّها هي وتهواها، وأصبح يتناول معها الوجبات الثلاث، ويُطبّبها، ويسْمُر معها، ويرعى شئونها آناء الليل وأطراف النهار!.
أنا جلسْتُ أقارن بين (مشروعه) وبين (المشروعات الهندسية) طالما كان أصلُ الحديث كلمة (مشروع)، فوجدْتُ أنّ الثانية تحتاج لدراسة جدوى اقتصادية هدفها قياس مدى ربحها أو خسارتها، ويتكبّد أصحابها أموالاً طائلة لعمل الدراسة مع عدم وجود ضمان لربحهم، أمّا الأول فلا يحتاج لدراسة جدوى ولا يحزنون، فالله عزّ وجلّ ضمِن له الربح في الدنيا والآخرة، وكفى بالله ضامناً!.
والمشروعات الهندسية تشوبها العيوب في تصميمها وتنفيذها وجودتها ومدّة إنجازها، بينما مشروع الأمّ نموذجي التصميم وحسن التنفيذ وعالي الجودة وسريع الأجر، يعني مشروع ناجح مئة بالمئة، فضلاً عن كونه مشروعاً باقياً للأبد عكس المشروعات التي لها عمر افتراضي محدود!.
غير أنّ هناك مشروعات أخرى متعلّقة بالأمّ، وهي مشروعات طالحة، وأصحابُها طالحون قد قست قلوبهم على أمّهاتهم، فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة، وعقّوهنّ جاحدين فضلهنّ عليهم في الصغر، ووصل الحال ببعضهم أن أودعوهنّ دُور المُسِنِّين والعجزة، وفضّلوا زوجاتهم عليهنّ، وأحوجوهنّ للناس، وما زلت أذكر زيارتي لأحد الأوقاف السكنية، ومشاهدتي لبعض الأمّهات اللاتي يُقِمْن فيه بينما أبناؤهم يقطنون الشقق والفلل الفاخرة، وما زلت أذكر بُكاء إحداهنّ الذي ينفطر له الحجر قبل القلب، وهي تقول عن ابنها العاق: (غَضِيب الوالدين تركْنِي وراح)!.
يا ناس: ترى الأمّ مشروع عظيم، والاستثمار فيه أعظم!.
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2017/04/15