تصحيح مسار التدريب الفني والتقني
محمد العوفي
«فاقد الشيء لا يعطيه.. مؤسسة التعليم الفني و100 ألف متدرب جديد» عنوان مقال نشره وزير التعليم الحالي الدكتور أحمد محمد العيسى، الرئيس الحالي لمجلس إدارتها، في صحيفة الرياض في نوفمبر 2003، وضع فيه خلاصة تجربة عمرها يتجاوز 12 عاما في مناصب قيادية في الكلية التقنية بالرياض انتهت في 2002.
أبرز ما جاء في هذا المقال «المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، المؤسسة العامة للتدريب الفني والتقني حاليا، لا يمكنها ببنيتها الإدارية والتخطيطية الحالية أن تقدم مؤسسات تقنية متميزة وقادرة على إمداد سوق العمل بالكفاءات الوطنية التي تستطيع أن تصمد في بيئة عمل متغيرة وشديدة التنافس»، وأن «المؤسسة تفتقد إلى الكفاءات الإدارية والفنية، والتخطيط للمناهج والبرامج التي تستطيع أن تنهض بمستوى التعليم والتدريب في كلياتها ومعاهدها الفنية ومراكز التدريب المهني، بسبب النزوح الدائم للكفاءات أو التهميش المتعمد للبعض الآخر»، وعدد فيه كثيرا من التخبطات الإدارية التي مرت بها المؤسسة.
ومنذ ذلك التاريخ بقيت المؤسسة عصية على التغيير لثلاثة عشر عاما، إذ مرت رياح التغيير وإعادة الهيكلة على معظم الوزارات والمؤسسات والهيئات العامة، فاقتلعت بعضا منها، وغيرت ملامح بعض منها بالفصل أو الدمج مع وزارة أخرى أو مؤسسات أخرى، أو نقل أنشطة وأقسام من وزارة أو مؤسسة إلى أخرى، وبقيت المؤسسة العامة للتدريب الفني والتقني في مأمن من التغيير وعصية عليه، رغم الانتقادات الكبيرة التي طالت تأهيل مخرجاتها، وعدم قدرتها على إمداد سوق العمل، مما حدا بالجهات التي تهتم بالجودة والتأهيل لإنشاء معاهد خاصة بها (شركة الكهرباء، وشركات الاتصالات والهيئة الملكية للجبيل وينبع، وغيرها معاهد وكليات خاصة بها) تنفذ برامج مشابهة للبرامج التي تنفذها المؤسسة. حتى جاء وزير التعليم الحالي، الذي كان قياديا سابقا في المؤسسة «الكلية التقنية بالرياض»، وأعاد إحياء فكرة دمج التعليم التقني والمهني مع التعليم العام والجامعي، كي يكون التعليم بكافة جوانبه، العام والفني والتقني، تحت مظلة واحدة.
هذا التغيير، إن تم وفق ما أريد له، يعد أول خطوة في تصحيح مسار المؤسسة لتتكامل مع منظومة التعليم، بعد أن كانت تغرد خارج السرب، كما أنه سيساهم في تلافي كثير من السلبيات التي يدركها الوزير العيسى أكثر من غيره، ونوه عنها تفصيلا في مقاله ووصفها بالقرارات الاستراتيجية الخاطئة الضخمة والمكلفة.
التغيير الذي بشر به الوزير العيسى رغم أنه يأتي تكريسا لعدم قناعته بمسار المؤسسة من واقع تجربة طويلة، إلا أن سيواجه تحديات متعددة، وسيأخذ وقتا أطول في ظل تعقيدات صنعتها المؤسسة وكرستها من أجل النأي بنفسها عن كل ما قد يفتح عليها باب التغيير على مصراعيه، ويؤهلها للدمج مع الجامعات الحكومية، كخلق كادر وظيفي جديد يختلف جذريا عن كادر أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، وبمسميات وظيفية «عضو هيئة تدريب (أ) و(ب)..»، وتوسعت في افتتاح المعاهد والكليات في مختلف المدن والمحافظات، وأغلقت باب إكمال دراسة الدكتوراه لمحاضريها ومعيديها، مكتفية بدرجة الماجستير، بحجة عدم حاجتها لأعضاء هيئة تدريس يحملون درجة الدكتوراه.
هذا التغيير وإن طال وقت إنجازه، وكانت تكلفة مراحله التصحيحية باهظة، فإن العوائد المترتبة على هذا الدمج على المدى الطويل أكثر نفعا على مستوى التأهيل الفني والتقني للخريجين، وعلى مستوى الإنفاق العام والهدر المالي، لأنه يتطلب إغلاق كثير من المعاهد والكليات في بعض المحافظات، التي تعد هدرا ماليا مقارنة بعدد الطلاب والطالبات، والقيمة المضافة التي يمكن أن تخلقها والتكاليف التشغيلية.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2017/04/18